وذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب أن كعبا لما انتهى إلى قوله:
إن الرسول لنور يستضاء به … مهند من سيوف الله مسلول
نبئت أن رسول الله أوعدني … والعفو عند رسول الله مأمول
قال: فأشار رسول الله ﷺ إلى من معه أن اسمعوا. وقد ذكر ذلك قبله موسى بن عقبة في مغازيه ولله الحمد والمنة.
قلت: ورد في بعض الروايات أن رسول الله ﷺ أعطاه بردته حين أنشده القصيدة وقد نظم ذلك الصرصرى في بعض مدائحه وهكذا ذكر ذلك الحافظ أبو الحسن بن الأثير في الغابة قال وهي البردة التي عند الخلفاء.
قلت: وهذا من الأمور المشهورة جدا ولكن لم أر ذلك في شيء من هذه الكتب المشهورة باسناد أرتضيه فالله أعلم. وقد روى أن رسول الله ﷺ قال له لما قال بانت سعاد ومن سعاد؟ قال زوجتي يا رسول الله، قال لم تبن ولكن لم يصح ذلك وكأنه على ذلك توهم أن بإسلامه تبين امرأته والظاهر أنه إنما أراد البينونة الحسية لا الحكمية والله تعالى اعلم. قال ابن إسحاق: وقال عاصم بن عمر بن قتادة فلما قال كعب - يعنى في قصيدته - إذا عرد السود التنابيل وإنما يريدنا معشر الأنصار لما كان صاحبنا صنع به وخص المهاجرين من قريش بمدحته غضبت عليه الأنصار فقال بعد أن أسلم يمدح الأنصار ويذكر بلاءهم من رسول الله ﷺ وموضعهم من اليمن:
من سره كرم الحياة فلا يزل … في مقنب من صالحي الأنصار
ورثوا المكارم كابرا عن كابر … إن الخيار هموا بنوا الأخيار
المكرهين السمهري باذرع … كسوالف الهندي غير قصار
والناظرين بأعين محمرة … كالجمر غير كليلة الأبصار
والبائعين نفوسهم لنبيهم … للموت يوم تعانق وكرار
[والقائدين الناس عن أديانهم … بالمشرفي وبالقنا الخطار]
يتطهرون يرونه نسكا لهم … بدماء من علقوا من الكفار
دربوا كما دربت بطون خفية … غلب الرقاب من الأسود ضوارى
وإذا حللت ينعوك اليهم … أصبحت عند معاقل الاغفار
ضربوا عليّا يوم بدر ضربة … دانت لوقعتها جميع نزار
لو يعلم الأقوام علمي كله … فيهم لصدقنى الذين أمارى
قوم إذا خوت النجوم فإنهم … للطارقين النازلين مقارى