للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ أي أول بيت وضع لعموم الناس للبركة والهدى البيت الّذي ببكة * قيل مكة وقيل محل الكعبة ﴿فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ﴾ أي على أنه بناء الخليل والد الأنبياء من بعده وإمام الحنفاء من ولده الذين يقتدون به ويتمسكون بسنته ولهذا قال ﴿مَقامِ إِبْراهِيمَ﴾ أي الحجر الّذي كان يقف عليه قائما لما ارتفع البناء عن قامته فوضع له ولده هذا الحجر المشهور ليرتفع عليه لما تعالى البناء وعظم الفناء كما تقدم في حديث ابن عباس الطويل. وقد كان هذا الحجر ملصقا بحائط الكعبة على ما كان عليه من قديم الزمان الى أيام عمر بن الخطاب فاخره عن البيت قليلا لئلا يشغل المصلين عنده الطائفين بالبيت واتبع عمر بن الخطاب في هذا فإنه قد وافقه ربه في أشياء منها في قوله لرسوله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فأنزل الله ﴿وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى﴾ وقد كانت آثار قدمي الخليل باقية في الصخرة الى أول الإسلام وقد قال أبو طالب في قصيدته اللامية المشهورة.

وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه … وراق لبر في حراء ونازل (١)

وبالبيت حق البيت من بطن مكة … وبالله إن الله ليس بغافل

وبالحجر المسود إذ يمسحونه … إذ اكتنفوه بالضحى والأصائل

وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة … على قدميه حافيا غير ناعل

يعنى أن رجله الكريمة غاصت في الصخرة فصارت على قدر قدمه حافية لا منتعلة ولهذا قال تعالى ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ﴾ أي في حال قولهما ﴿رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ فهما في غاية الإخلاص والطاعة لله ﷿ وهما يسألان من الله السميع العليم أن يتقبل منهما ما هما فيه من الطاعة العظيمة والسعي المشكور ﴿رَبَّنا وَاِجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ﴾


(١) قال في المعجم بعد بيان معنى ثور أنه الجبل الّذي فيه الغار. وقال أبو طالب عم النبي . أعوذ برب الناس من كل طاعن * علينا بشرّ أو ملح بباطل * ومن كاشح يسعى لنا بمعيبة * ومن مفتر في الدين ما لم يحاول * وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه * وعير وراق (١) في حراء ونازل. وقال الجوهري ثور جبل بمكة وفيه الغار المذكور في القرآن الى أن قال صاحب المعجم أيضا وقد قيل إن بمكة أيضا جبل اسمه عير ويشهد بذلك بيت أبى طالب المذكور فإنه ذكر جبال مكة وذكر فيها عيرا فيكون المعنى أن حرم المدينة مقدار ما بين عير الى ثور اللذين بمكة أو حرم المدينة تحريما مثل تحريم ما بين عير وثور بمكة بحذف المضاف وإقامة المضاف اليه مقامه ووصف المصدر المحذوف إلخ (١) قوله وعير وراق هكذا في المعجم. وما في القصيدة المطبوعة بالاستانة والأصول التي بأيدينا وراق لبر. والبر العبادة

<<  <  ج: ص:  >  >>