للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حدثهم أهل الكتاب موافقا لما عندهم صدقوه، وما لم يعلم صدقه ولا كذبه أمسكوا عنه، وما عرفوا بأنه باطل كذبوه، ومن أدخل في الدين ما ليس منه من أقوال متفلسفة الهند والفرس واليونان أو غيرهم، كان عندهم من أهل الإلحاد والابتداع * وهذا هو الدين الّذي كان عليه أصحاب رسول الله والتابعون، وهو الّذي عليه أئمة الدين الذين لهم في الأمة لسان صدق، وعليه جماعة المسلمين وعامتهم، ومن خرج عن ذلك كان مذموما مدحورا عند الجماعة، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، الظاهرين إلى قيام الساعة، الذين

قال فيهم رسول الله : «لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة» وقد يتنازع بعض المسلمين مع اتفاقهم على هذا الأصل الّذي هو دين الرسل عموما، ودين محمد خصوصا، ومن خالف في هذا الأصل كان عندهم ملحدا مذموما، ليسوا كالنصارى الذين ابتدعوا دينا ما قام به أكابر علمائهم وعبادهم وقاتل عليه ملوكهم، ودان به جمهورهم، وهو دين مبتدع ليس هو دين المسيح ولا دين غيره من الأنبياء، والله سبحانه أرسل رسله بالعلم النافع، والعمل الصالح، فمن اتبع الرسل حصل له سعادة الدنيا والآخرة، وإنما دخل في البدع من قصر في اتباع الأنبياء علما وعملا * ولما بعث الله محمدا بالهدى ودين الحق، تلقى ذلك عنه المسلمون [من أمته]، فكل علم نافع وعمل صالح عليه أمة محمد، أخذوه عن نبيهم كما ظهر لكل عاقل أن أمته أكمل الأمم في جميع الفضائل، العلمية والعملية، ومعلوم أن كل كمال في الفرع المتعلّم هو في الأصل المعلّم، وهذا يقتضي أنه كان أكمل الناس علما ودينا * وهذه الأمور توجب العلم الضروريّ بأنه كان صادقا في

قوله: «إني رسول الله إليكم جميعا» لم يكن كاذبا مفتريا، فان هذا القول لا يقوله إلا من هو من خيار الناس وأكملهم، إن كان صادقا، أو من هو من أشر الناس وأخبثهم إن كان كاذبا، وما ذكر من كمال علمه ودينه يناقض الشر والخبث والجهل، فتعين أنه متصف بغاية الكمال في العلم والدين، وهذا يستلزم أنه كان صادقا في

قوله: «إني رسول الله إليكم جميعا» لأن الّذي لم يكن صادقا إما أن يكون متعمدا للكذب أو مخطئا والأول يوجب أنه كان ظالما غاويا، والثاني يقتضي أنه كان جاهلا ضالا، ومحمد كان علمه ينافي جهله، وكمال دينه ينافي تعمد الكذب، فالعلم بصفاته يستلزم العلم بأنه لم يكن يتعمد الكذب ولم يكن جاهلا يكذب بلا علم، وإذا انتفى هذا وذاك تعين أنه كان صادقا عالما بأنه صادق ولهذا نزهه الله عن هذين الأمرين بقوله تعالى: «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى، * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى، * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى، * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى» وقال تعالى عن الملك الّذي جاء به «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ» ثم قال عنه: «وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ، * وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ * وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ، * وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ، * فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ، * إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ»

<<  <  ج: ص:  >  >>