للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفادوا أنفسهم بأموال جزيلة، فجمع لهم بين خيرى الدنيا والآخرة، ولهذا قال تعالى ﴿وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ﴾ وقد تقدم بيان هذا في غزوة بدر، وقال تعالى ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى (١) إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ وهكذا وقع فان الله عوض من أسلّم منهم بخير الدنيا والآخرة *

ومن ذلك ما ذكره البخاري أن العباس جاء إلى رسول الله فقال: يا رسول الله أعطنى، فانى فأديت نفسي، وفاديت عقيلا، فقال له: خذ، فأخذ في ثوب مقدارا لم يمكنه أن يقله، ثم وضع منه مرة بعد مرة حتى أمكنه أن يحمله على كاهله، وانطلق به كما ذكرناه في موضعه مبسوطا * وهذا من تصديق هذه الآية الكريمة، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ﴾ الآية، وهكذا وقع عوضهم الله عما كان يغدو إليهم مع حجاج المشركين، بما شرعه لهم من قتال أهل الكتاب، وضرب الجزية عليهم، وسلب أموال من قتل منهم على كفره، كما وقع بكفار أهل الشام من الروم ومجوس الفرس، بالعراق وغيرها من البلدان التي انتشر الإسلام على أرجائها، وحكم على مدائنها وفيفائها، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا اِنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ﴾ الآية، وهكذا وقع، لما رجع من غزوة تبوك كان قد تخلف عنه طائفة من المنافقين، فجعلوا يحلفون بالله لقد كانوا معذورين في تخلفهم، وهم في ذلك كاذبون، فأمر الله رسوله أن يجرى أحوالهم على ظاهرها، ولا يفضحهم عند الناس، وقد أطلعه الله على أعيان جماعة منهم أربعة عشر رجلا كما قدمناه لك في غزوة تبوك، فكان حذيفة بن اليمان ممن يعرفهم بتعريفه إياه .

وقال تعالى: ﴿وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاّ قَلِيلاً﴾ وهكذا وقع، لما اشتوروا عليه ليثبتوه: أو يقتلوه أو يخرجوه من بين أظهرهم، ثم وقع الرأى على القتل، فعند ذلك أمر الله رسوله بالخروج من بين أظهرهم، فخرج هو وصديقه أبو بكر، فكمنا في غار ثور ثلاثا، ثم ارتحلا بعدها كما قدمنا، وهذا هو المراد بقوله ﴿إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اِثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ وهو المراد من قوله ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ﴾ ولهذا قال: ﴿وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاّ قَلِيلاً﴾ وقد وقع كما أخبر فان الملأ الذين اشتوروا على ذلك لم يلبثوا بمكة بعد هجرته إلا ريثما استقر ركابه الشريف بالمدينة


(١) كذا في النسخ ولعلها قراءة سبعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>