للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عينيه فجعلوا يشتمونه ويهينونه بالفعال والمقال وأجمعوا على إلقائه في غيابت الجب أي في قعره على راعوفته وهي الصخرة التي تكون في وسطه يقف عليها المائح وهو الّذي ينزل ليملى الدلاء إذا قل الماء والّذي يرفعها بالحبل يسمى الماتح فلما ألقوه فيه أوحى الله اليه أنه لا بد لك من فرج ومخرج من هذه الشدة التي أنت فيها ولتخبرن إخوتك بصنيعهم هذا في حال أنت فيها عزيز وهم محتاجون إليك خائفون منك ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾.

قال مجاهد وقتادة ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ بايحاء الله اليه ذلك * وعن ابن عباس ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ أي لتخبرنهم بأمرهم هذا في حال لا يعرفونك فيها * رواه ابن جرير عنه * فلما وضعوه فيه ورجعوا عنه أخذوا قميصه فلطخوه بشيء من دم ورجعوا الى أبيهم عشاء وهم يبكون أي على أخيهم. ولهذا قال بعض السلف لا يغرنك بكاء المتظلم فرب ظالم وهو باك وذكر بكاء إخوة يوسف وقد جاءوا أباهم عشاء يبكون أي في ظلمة الليل ليكون أمشى لغدرهم لا لعذرهم ﴿قالُوا يا أَبانا إِنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا﴾ أي ثيابنا ﴿فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ أي في غيبتنا عنه في استباقنا وقولهم ﴿وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنّا صادِقِينَ﴾ أي وما أنت بمصدق لنا في الّذي أخبرناك من أكل الذئب له ولو كنا غير متهمين عندك فكيف وأنت تتهمنا في هذا فإنك خشيت أن يأكله الذئب وضمنا لك أن لا يأكله لكثرتنا حوله فصرنا غير مصدقين عندك فمعذور أنت في عدم تصديقك لنا والحالة هذه. ﴿وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ أي مكذوب مفتعل لانهم عمدوا الى سخلة ذبحوها فأخذوا من دمها فوضعوه على قميصه ليوهموا أنه أكله الذئب قالوا ونسوا ان يخرقوه وآفة الكذب النسيان * ولما ظهرت عليهم علائم الريبة لم يرج صنيعهم على أبيهم فإنه كان يفهم عداوتهم له وحسدهم إياه على محبته له من بينهم أكثر منهم لما كان يتوسم فيه من الجلالة والمهابة التي كانت عليه في صغره لما يريد الله أن يخصه به من نبوته * ولما راودوه عن أخذه فبمجرد ما أخذوه أعدموه وغيبوه عن عينيه جاءوا وهم يتباكون وعلى ما تمالئوا عليه يتواطئون ولهذا ﴿قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ﴾ وعند أهل الكتاب أن روبيل أشار بوضعه في الجب ليأخذه من حيث لا يشعرون ويرده الى أبيه فغافلوه وباعوه لتلك القافلة. فلما جاء روبيل من آخر النار ليخرج يوسف لم يجده فصاح وشق ثيابه وعمد أولئك الى جدي فذبحوه ولطخوا من دمه جبة يوسف. فلما علم يعقوب شق ثيابه ولبس مئزرا أسود وحزن على ابنه أياما كثيرة. وهذه الركاكة جاءت من خطئهم في التعبير والتصوير. ﴿وَجاءَتْ سَيّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ. قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ﴾.

﴿* وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ * وَقالَ الَّذِي اِشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً. وَكَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ﴾

<<  <  ج: ص:  >  >>