أهل الأرض ببركة رسالة محمد ﷺ ودعوته، فآمن من آمن من الناس، وقامت الحجة على من كفر منهم، كما قال تعالى: ﴿وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ﴾ وكما
قال ﷺ: إنما أنا رحمة مهداة * وقال هشام بن عمار في كتاب البعث: حدثني عيسى بن عبد الله النعماني، حدثنا المسعودي عن سعيد بن أبى سعيد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: ﴿وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ﴾ قال: من آمن بالله ورسله تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن بالله ورسله عد فيمن يستحق تعجيل ما كان يصيب الأمم قبل ذلك من العذاب والفتن والقذف والخسف * وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ﴾ قال ابن عباس: النعمة محمد، والذين بدلوا نعمة الله كفرا كفار قريش - يعنى وكذلك كل من كذب به من سائر الناس - كما قال: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنّارُ مَوْعِدُهُ﴾. قال أبو نعيم: فأن قيل: فقد سمى الله نوحا ﵇ باسم من أسمائه الحسنى، فقال: ﴿إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً﴾ قلنا: وقد سمى الله محمدا ﷺ باسمين من أسمائه فقال: ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾ قال: وقد خاطب الله الأنبياء بأسمائهم: يا نوح، يا إبراهيم، يا موسى يا داود، يا يحيى، يا عيسى، يا مريم، وقال مخاطبا لمحمد ﷺ: يا أيها الرسول، يا أيها النبي، يا أيها المزمل، يا أيها المدثر، وذلك قائم مقام الكنية بصفة الشرف * ولما نسب المشركون أنبياءهم إلى السفه والجنون، كلّ أجاب عن نفسه، قال نوح: ﴿يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ وكذا قال هود ﵇، ولما قال فرعون: ﴿وإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً﴾، قال [موسى] ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً﴾ وأما محمد ﷺ فأن الله تعالى هو الّذي يتولى جوابهم عنه بنفسه الكريمة، كما قال: ﴿وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾ قال الله تعالى ﴿ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ﴾ وقال تعالى: ﴿أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اِكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً﴾ * ﴿أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ﴾ وقال تعالى: ﴿وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ * ﴿وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾ قال الله تعالى: ﴿وَما هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾ وقال تعالى ﴿ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ * ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾.