للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكرنا قصته عليه السلام في التفسير، وطيب صَوْتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ قَدْ سَخَّرَ لَهُ الطَّيْرَ تُسَبِّحُ مَعَهُ، وَكَانَتِ الْجِبَالُ أَيْضًا تُجِيبُهُ وَتُسَبِّحُ مَعَهُ، وَكَانَ سَرِيعَ القراءة، يأمر بدوا به فتسرح فَيَقْرَأُ الزَّبُورَ بِمِقْدَارِ مَا يَفْرَغُ مِنْ شَأْنِهَا ثُمَّ يَرْكَبُ، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ كَسْبِ يَدِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَنَ الصَّوْتِ طَيِّبَهُ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، قَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَغْرِبِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، فَمَا سَمِعْتُ صَوْتًا أَطْيَبَ مِنْ صَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يَقْرَأُ تَرْتِيلًا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ وَأَمَّا تَسْبِيحُ الطَّيْرِ مَعَ داود، فتسبيح الجبال الصم أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ أَنِ الْحَصَا سَبَّحَ فِي كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: وَهَذَا حَدِيثٌ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ، وَكَانَتِ الْأَحْجَارُ وَالْأَشْجَارُ وَالْمَدَرُ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ- يَعْنِي بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَلَّمَهُ ذِرَاعُ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ، وَأَعْلَمَهُ بِمَا فِيهِ مِنَ السُّمِّ، وَشَهِدَتْ بِنُبُوَّتِهِ الْحَيَوَانَاتُ الْإِنْسِيَّةُ وَالْوَحْشِيَّةُ، وَالْجَمَادَاتُ أَيْضًا، كَمَا تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ صُدُورَ التَّسْبِيحِ مِنَ الْحَصَا الصِّغَارِ الصُّمِّ الَّتِي لَا تَجَاوِيفَ فِيهَا، أَعْجَبُ مِنْ صُدُورِ ذَلِكَ مِنَ الْجِبَالِ، لِمَا فِيهَا مِنَ التَّجَاوِيفِ وَالْكُهُوفِ، فَإِنَّهَا وَمَا شَاكَلَهَا تردد صدى الأصوات العالية غالبا، كما قال عبد الله بن الزبير: كان إذا خطب- وهو أمير المدينة بالحرم الشريف- تجاوبه الجبال، أبو قبيس وزرود، وَلَكِنْ مِنْ غَيْرِ تَسْبِيحٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ معجزات داود عليه السلام. ومع هذا كان تسبيح الْحَصَا فِي كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، أَعْجَبُ وَأَمَّا أَكْلُ دَاوُدَ مِنْ كَسْبِ يَدِهِ، فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ مِنْ كَسْبِهِ أَيْضًا، كَمَا كَانَ يَرْعَى غنما لأهل مكة على قراريط. وقال: وما مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ رَعَى الْغَنَمَ. وَخَرَجَ إِلَى الشَّامِ فِي تِجَارَةٍ لِخَدِيجَةَ مُضَارَبَةً، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها، وَقال الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ٢٥: ٧- ٩ إِلَى قَوْلِهِ: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ ٢٥: ٢٠ أَيْ لِلتَّكَسُّبِ وَالتِّجَارَةِ طَلَبًا لِلرِّبْحِ الْحَلَالِ. ثُمَّ لما شرع الله الْجِهَادَ بِالْمَدِينَةِ، كَانَ يَأْكُلُ مِمَّا أَبَاحَ لَهُ من المغانم التي لم تبح قَبْلَهُ، وَمِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ الَّتِي أُبِيحَتْ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ، كَمَا جاء في المسند والترمذي عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ وَأَمَّا إِلَانَةُ الحديد بغير نَارٍ كَمَا يَلِينُ الْعَجِينُ فِي يَدِهِ، فَكَانَ يصنع هَذِهِ الدُّرُوعَ الدَّاوُدِيَّةَ، وَهِيَ الزَّرَّدِيَّاتُ السَّابِغَاتُ، وَأَمَرَهُ الله تعالى بنفسه بعملها، وقدر في السرد، أي ألا يدق المسمار فيعلق، ولا يعظله فيقصم، كَمَا جَاءَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>