قَدْ ذَهَبَ لِأَخْذِ ثَأْرٍ لَهُ فِي بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي عَامِرٍ وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى قَوْمِهِ فأخذوهم فلما جيء بهم الى خالد عن آخرهم فَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ فَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ، وَأَمَرَ بِضَرْبِ أَعْنَاقِهِمْ كُلِّهِمْ، سِوَى مُجَّاعَةَ فَإِنَّهُ اسْتَبْقَاهُ مُقَيَّدًا عِنْدَهُ- لِعِلْمِهِ بِالْحَرْبِ وَالْمَكِيدَةِ- وَكَانَ سَيِّدًا فِي بَنِي حَنِيفَةَ، شَرِيفًا مُطَاعًا، وَيُقَالُ: إِنَّ خَالِدًا لَمَّا عُرِضُوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُمْ: مَاذَا تَقُولُونَ يَا بَنِي حَنِيفَةَ؟ قَالُوا: نَقُولُ مِنَّا نَبِيٌّ وَمِنْكُمْ نَبِيٌّ، فَقَتَلَهُمْ إِلَّا وَاحِدًا اسْمُهُ سَارِيَةُ، فَقَالَ له: أيها الرجل إن كنت تريد عدا بعدول هذا خَيْرًا أَوْ شَرًّا فَاسْتَبْقِ هَذَا الرَّجُلَ- يَعْنِي مُجَّاعَةَ بْنَ مُرَارَةَ- فَاسْتَبْقَاهُ خَالِدٌ مُقَيَّدًا، وَجَعَلَهُ فِي الْخَيْمَةِ مَعَ امْرَأَتِهِ، وَقَالَ: اسْتَوْصِي بِهِ خَيْرًا، فَلَمَّا تَوَاجَهَ الْجَيْشَانِ قَالَ مُسَيْلِمَةُ لِقَوْمِهِ: اليوم يوم الغيرة، اليوم إن هزمتم تستنكح النِّسَاءُ سَبِيَّاتٍ، وَيُنْكَحْنَ غَيْرَ حَظِيَّاتٍ، فَقَاتِلُوا عَنْ أَحِسَابِكُمْ وَامْنَعُوا نِسَاءَكُمْ، وَتَقَدَّمَ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ خَالِدٌ عَلَى كَثِيبٍ يُشْرِفُ عَلَى الْيَمَامَةِ، فَضَرَبَ بِهِ عَسْكَرَهُ، وَرَايَةُ الْمُهَاجِرِينَ مَعَ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَرَايَةُ الْأَنْصَارِ مَعَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَالْعَرَبُ عَلَى رَايَاتِهَا، وَمُجَّاعَةُ بْنُ مُرَارَةَ مُقَيَّدٌ فِي الْخَيْمَةِ مَعَ أُمِّ تَمِيمٍ امْرَأَةِ خَالِدٍ، فَاصْطَدَمَ الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ فكانت جَوْلَةٌ وَانْهَزَمَتِ الْأَعْرَابُ حَتَّى دَخَلَتْ بَنُو حَنِيفَةَ خَيْمَةَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَهَمُّوا بِقَتْلِ أُمِّ تَمِيمٍ، حَتَّى أَجَارَهَا مُجَّاعَةُ وَقَالَ: نِعْمَتِ الْحُرَّةُ هَذِهِ، وَقَدْ قُتِلَ الرَّجَّالُ بْنُ عُنْفُوَةَ لَعَنَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْجَوْلَةِ، قَتَلَهُ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ، ثُمَّ تَذَامَرَ الصَّحَابَةُ بَيْنَهُمْ وَقَالَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ: بِئْسَ مَا عَوَّدْتُمْ أَقْرَانَكُمْ، وَنَادَوْا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ: اخْلُصْنَا يَا خَالِدُ، فَخَلَصَتْ ثُلَّةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَحَمِيَ البراء بن معرور- وَكَانَ إِذَا رَأَى الْحَرْبَ أَخَذَتْهُ الْعُرَوَاءُ فَيَجْلِسُ على ظهر الرحال حَتَّى يَبُولَ فِي سَرَاوِيلِهِ، ثُمَّ يَثُورُ كَمَا يَثُورُ الْأَسَدُ، وَقَاتَلَتْ بَنُو حَنِيفَةَ قِتَالًا لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ، وَجَعَلَتِ الصَّحَابَةُ يَتَوَاصَوْنَ بَيْنَهُمْ وَيَقُولُونَ: يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، بَطَلَ السِّحْرُ الْيَوْمَ، وحفر ثابت ابن قَيْسٍ لِقَدَمَيْهِ فِي الْأَرْضِ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، وهو حامل لواء الأنصار بعد ما تَحَنَّطَ وَتَكَفَّنَ، فَلَمْ يَزَلْ ثَابِتًا حَتَّى قُتِلَ هُنَاكَ، وَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ لِسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ: أَتَخْشَى أَنْ نُؤْتَى مِنْ قِبَلِكَ؟ فَقَالَ:
بِئْسَ حَامِلُ الْقُرْآنِ أَنَا إِذًا، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَيُّهَا النَّاسُ عَضُّوا عَلَى أَضْرَاسِكُمْ وَاضْرِبُوا فِي عَدُوِّكُمْ وَامْضُوا قُدُمًا، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَتَكَلَّمُ حَتَّى يَهْزِمَهُمُ اللَّهُ أَوْ أَلْقَى اللَّهَ فَأُكَلِّمَهُ بِحُجَّتِي، فَقُتِلَ شَهِيدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو حُذَيْفَةَ: يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِالْفِعَالِ، وَحَمَلَ فِيهِمْ حَتَّى أَبْعَدَهُمْ وَأُصِيبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَحَمَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ حتى جاوزهم، وسار لجبال مُسَيْلِمَةَ وَجَعَلَ يَتَرَقَّبُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ فَيَقْتُلَهُ، ثم رجع ثم وقف بين الصفين ودعا الْبِرَازِ، وَقَالَ: أَنَا ابْنُ الْوَلِيدِ الْعَوْدِ، أَنَا ابْنُ عَامِرٍ وَزَيْدِ، ثُمَّ نَادَى بِشِعَارِ الْمُسْلِمِينَ- وَكَانَ شِعَارُهُمْ يَوْمَئِذٍ يَا مُحَمَّدَاهْ- وَجَعَلَ لَا يَبْرُزُ لَهُمْ أَحَدٌ إِلَّا قَتَلَهُ، وَلَا يَدْنُو مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا أَكَلَهُ، وَدَارَتْ رَحَى الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ اقْتَرَبَ مِنْ مُسَيْلِمَةَ فَعَرَضَ عَلَيْهِ النَّصَفَ وَالرُّجُوعَ إِلَى الْحَقِّ، فَجَعَلَ شَيْطَانُ مُسَيْلِمَةَ يَلْوِي عُنُقَهُ، لَا يَقْبَلُ مِنْهُ شَيْئًا، وَكُلَّمَا أَرَادَ مُسَيْلِمَةُ يُقَارِبُ مِنَ الْأَمْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute