للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلام حضر ما ترون، فهذا رسول الله والجنة أمامكم، والشيطان والنار خلفكم، وحرض أبو سفيان النساء فقال: من رأيتنه فارا فاضربنه بهذه الأحجار والعصي حتى يرجع.

وأشار خالد أن يقف في القلب سعيد بن زيد، وأن يكون أبو عبيدة من وراء الناس ليرد المنهزم. وقسم خالد الخيل قسمين فجعل فرقة وراء الميمنة، وفرقة وراء الميسرة، لئلا يفر الناس وليكونوا ردءا لهم من ورائهم. فقال له أصحابه: افعل ما أراك الله، وامتثلوا ما أشار به خالد . وأقبلت الروم رافعة صلبانها ولهم أصوات مزعجة كالرعد، والقساقسة والبطارقة تحرضهم على القتال وهم في عدد وعدد لم ير مثله، فالله المستعان وعليه التكلان.

وقد كان فيمن شهد اليرموك الزبير بن العوام، وهو أفضل من هناك من الصحابة، وكان من فرسان الناس وشجعانهم، فاجتمع إليه جماعة من الأبطال يومئذ فقالوا: ألا تحمل فنحمل معك؟ فقال: إنكم لا تثبتون، فقالوا: بلى! فحمل وحملوا فلما واجهوا صفوف الروم أحجموا وأقدم هو فاخترق صفوف الروم حتى خرج من الجانب الآخر وعاد إلى أصحابه. ثم جاءوا إليه مرة ثانية ففعل كما فعل في الأولى، وجرح يومئذ جرحين بين كتفيه، وفي رواية جرح. وقد روى البخاري معنى ما ذكرناه في صحيحه. وجعل معاذ بن جبل كلما سمع أصوات القسيسين والرهبان يقول: اللهمّ زلزل أقدامهم، وأرعب قلوبهم: وأنزل علينا السكينة، وألزمنا كلمة التقوى، وحبب إلينا اللقاء، وأرضنا بالقضاء. وخرج ماهان فأمر صاحب الميسرة وهو الدبريجان، وكان عدو الله متنسكا فيهم، فحمل على الميمنة وفيها الأزد ومذحج وحضرموت وخولان، فثبتوا حتى صدقوا (١) أعداء الله، ثم ركبهم من الروم أمثال الجبال. فزال المسلمون من الميمنة إلى ناحية القلب، وانكشف طائفة من الناس إلى العسكر، وثبت صور من المسلمين عظيم يقاتلون تحت راياتهم، وانكشف زبيد.

ثم تنادوا فتراجعوا وحملوا حتى نهنهوا من أمامهم من الروم وأشغلوهم عن اتباع من انكشف من الناس، واستقبل النساء من انهزم من سرعان الناس يضربنهم بالخشب والحجارة وجعلت خولة بنت ثعلبة تقول:

يا هاربا عن نسوة تقيأت … فعن قليل ما ترى سبيات

ولا حصيات ولا رضيات

قال: فتراجع الناس إلى مواقفهم. وقال سيف بن عمر عن أبى عثمان الغساني عن أبيه. قال قال عكرمة بن أبى جهل يوم اليرموك: قاتلت رسول الله في مواطن وأفر منكم اليوم؟ ثم نادى:

من يبايع على الموت؟ فبايعه عمه الحارث بن هشام، وضرار بن الأزور في أربعمائة من وجوه المسلمين


(١) كذا في النسخ. ولعله صدوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>