سَعْدٌ عَنِ الْقَوْمِ فَجَعَلَ يَصِفُ شَجَاعَةَ طُلَيْحَةَ، فَقَالَ دَعْنَا مِنْ هَذَا وَأَخْبِرْنَا عَنْ رُسْتُمَ، فَقَالَ: هُوَ فِي مِائَةِ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا، وَيَتْبَعُهَا مِثْلُهَا. وَأَسْلَمَ الرَّجُلُ مِنْ فَوْرِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ.
قَالَ سَيْفٌ عَنْ شُيُوخِهِ: وَلَمَّا تَوَاجَهَ الْجَيْشَانِ بَعَثَ رُسْتُمُ إِلَى سَعْدٍ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ بِرَجُلٍ عَاقِلٍ عَالِمٍ بِمَا أَسْأَلُهُ عَنْهُ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ جَعَلَ رُسْتُمُ يَقُولُ لَهُ: إِنَّكُمْ جِيرَانُنَا وَكُنَّا نُحْسِنُ إِلَيْكُمْ وَنَكُفُّ الْأَذَى عَنْكُمْ، فَارْجِعُوا إِلَى بِلَادِكُمْ وَلَا نَمْنَعُ تجارتكم مِنَ الدُّخُولِ إِلَى بِلَادِنَا. فَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ: إنا ليس طلبنا الدنيا، وإنما هنا وَطَلَبُنَا الْآخِرَةُ، وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا قَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ سَلَّطْتُ هَذِهِ الطَّائِفَةَ عَلَى مَنْ لَمْ يَدِنْ بِدِينِي فَأَنَا مُنْتَقِمٌ بِهِمْ مِنْهُمْ، وَأَجْعَلُ لَهُمُ الْغَلَبَةَ مَا دَامُوا مُقِرِّينَ بِهِ، وَهُوَ دِينُ الْحَقِّ، لَا يَرْغَبُ عَنْهُ أَحَدٌ إِلَّا ذَلَّ، وَلَا يَعْتَصِمُ بِهِ إِلَّا عَزَّ. فَقَالَ لَهُ رُسْتُمُ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ أَمَّا عَمُودُهُ الَّذِي لَا يَصْلُحُ شَيْءٌ مِنْهُ إِلَّا بِهِ فَشَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَالْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَقَالَ مَا أَحْسَنَ هَذَا؟! وَأَيُّ شَيْءٍ أَيْضًا؟ قَالَ وَإِخْرَاجُ الْعِبَادِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ. قَالَ: وَحَسَنٌ أَيْضًا وَأَيُّ شَيْءٍ أَيْضًا؟ قَالَ: وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، فَهُمْ إِخْوَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ، قَالَ وَحَسَنٌ أَيْضًا. ثُمَّ قَالَ رُسْتُمُ: أَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلْنَا فِي دِينِكُمْ أَتَرْجِعُونَ عَنْ بِلَادِنَا؟
قَالَ: إِي وَاللَّهِ ثُمَّ لَا نَقْرَبُ بِلَادَكُمْ إِلَّا فِي تِجَارَةٍ أَوْ حَاجَةٍ. قَالَ: وَحَسَنٌ أَيْضًا. قَالَ: وَلَمَّا خَرَجَ الْمُغِيرَةُ مِنْ عِنْدِهِ ذَاكَرَ رُسْتُمُ رُؤَسَاءَ قَوْمِهِ فِي الْإِسْلَامِ فَأَنِفُوا ذَلِكَ وَأَبَوْا أَنْ يَدْخُلُوا فِيهِ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ وَأَخْزَاهُمْ وَقَدْ فَعَلَ.
قَالُوا: ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ سَعْدٌ رَسُولًا آخَرَ بِطَلَبِهِ وَهُوَ رِبْعِيُّ بْنُ عَامِرٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَقَدْ زَيَّنُوا مَجْلِسَهُ بِالنَّمَارِقِ الْمُذَهَّبَةِ وَالزَّرَابِيِّ الْحَرِيرِ، وَأَظْهَرَ الْيَوَاقِيتَ وَاللَّآلِئَ الثَّمِينَةَ، وَالزِّينَةَ الْعَظِيمَةَ، وَعَلَيْهِ تَاجُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْتِعَةِ الثَّمِينَةِ. وَقَدْ جَلَسَ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ. وَدَخَلَ رِبْعِيٌّ بِثِيَابٍ صَفِيقَةٍ وَسَيْفٍ وَتُرْسٍ وَفَرَسٍ قَصِيرَةٍ، وَلَمْ يَزَلْ رَاكِبَهَا حَتَّى دَاسَ بِهَا عَلَى طَرَفِ الْبُسَاطِ، ثُمَّ نَزَلَ وَرَبَطَهَا بِبَعْضِ تِلْكَ الْوَسَائِدِ، وَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ سِلَاحُهُ وَدِرْعُهُ وبيضته عَلَى رَأْسِهِ. فَقَالُوا لَهُ: ضَعْ سِلَاحَكَ. فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكُمْ. وَإِنَّمَا جِئْتُكُمْ حِينَ دَعَوْتُمُونِي فَإِنْ تَرَكْتُمُونِي هَكَذَا وَإِلَّا رَجَعْتُ. فَقَالَ رُسْتُمُ: ائْذَنُوا لَهُ، فَأَقْبَلَ يَتَوَكَّأُ عَلَى رُمْحِهِ فَوْقَ النَّمَارِقِ فَخَرَّقَ عَامَّتَهَا، فَقَالُوا لَهُ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ فَقَالَ اللَّهُ ابْتَعَثْنَا لِنُخْرِجَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ، وَمِنْ ضِيقِ الدُّنْيَا إِلَى سِعَتِهَا، وَمِنْ جَوْرِ الْأَدْيَانِ إِلَى عَدْلِ الْإِسْلَامِ، فَأَرْسَلَنَا بِدِينِهِ إِلَى خَلْقِهِ لِنَدْعُوَهُمْ إِلَيْهِ، فَمَنْ قَبِلَ ذَلِكَ قَبِلْنَا مِنْهُ وَرَجَعْنَا عَنْهُ، وَمَنْ أَبَى قَاتَلْنَاهُ أَبَدًا حَتَّى نُفْضِيَ إِلَى مَوْعُودِ اللَّهِ. قَالُوا: وَمَا مَوْعُودُ اللَّهِ؟ قَالَ: الْجَنَّةُ لِمَنْ مَاتَ عَلَى قِتَالِ مَنْ أَبَى، وَالظَّفَرُ لِمَنْ بَقِيَ. فَقَالَ رُسْتُمُ: قَدْ سَمِعْتُ مَقَالَتَكُمْ فَهَلْ لَكَمَ أَنْ تُؤَخِّرُوا هذا الأمر حتى تنظر فِيهِ وَتَنْظُرُوا؟ قَالَ نَعَمْ! كَمْ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ؟ يوما أَوْ يَوْمَيْنِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ حَتَّى نُكَاتِبَ أَهْلَ رَأْيِنَا وَرُؤَسَاءَ قَوْمِنَا. فَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute