للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال السلام عليك يا فاروق، أنت صاحب إيلياء؟ لا ها الله لا ترجع حتى يفتح الله عليك إيلياء.

وقد روى أحمد بن مروان الدينَوَريّ عن محمد بن عبد العزيز عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن أسامة ابن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده أسلم مولى عمر بن الخطاب أنه قدم دمشق في تجار من قريش، فلما خرجوا تخلف عمر لبعض حاجته، فبينما هو في البلد إذا ببطريق يأخذ بعنقه، فذهب ينازعه فلم يقدر، فأدخله دارا فيها تراب وفأس ومجرفة وزنبيل، وقال له: حول هذا من هاهنا إلى هاهنا، وغلق عليه الباب وانصرف فلم يجئ إلى نصف النهار. قال: وجلست مفكرا ولم أفعل مما قال لي شيئا.

فلما جاء قال: ما لك لم تفعل؟ ولكمني في رأسي بيده قال: فأخذت الفأس فضربته بها فقتلته وخرجت على وجهي فجئت ديرا لراهب فجلست عنده من العشي، فأشرف على فنزل وأدخلنى الدير فأطعمنى وسقاني، وأتحفنى، وجعل يحقق النظر في، وسألني عن أمرى فقلت: إني أضللت أصحابى. فقال:

إنك لتنظر بعين خائف، وجعل يتوسمنى ثم قال: لقد علم أهل دين النصرانية أنى أعلمهم بكتابهم، وإني لأراك الّذي تخرجنا من بلادنا هذه، فهل لك أن تكتب لي كتاب أمان على ديرى هذا؟ فقلت: يا هذا لقد ذهبت غير مذهب. فلم يزل بى حتى كتبت له صحيفة بما طلب منى، فلما كان وقت الانصراف أعطانى أتانا فقال لي أركبها، فإذا وصلت إلى أصحابك فابعث إلى بها وحدها فإنها لا تمر بدير إلا أكرموها. ففعلت ما أمرنى به، فلما قدم عمر لفتح بيت المقدس أتاه ذلك الراهب وهو بالجابية بتلك الصحيفة فأمضاها له عمر واشترط عليه ضيافة من يمرّ به من المسلمين، وأن يرشدهم إلى الطريق. رواه ابن عساكر وغيره. وقد ساقه ابن عساكر من طريق أخرى في ترجمة يحيى بن عبيد الله بن أسامة القرشي البلقاوي عن زيد بن أسلم عن أبيه فذكر حديثا طويلا عجيبا هذا بعضه.

وقد ذكرنا الشروط العمرية على نصارى الشام مطولا في كتابنا الأحكام، وأفردنا له مصنفا على حدة ولله الحمد والمنة.

وقد ذكرنا خطبته في الجابية بألفاظها وأسانيدها في الكتاب الّذي أفردناه لمسند عمر، وذكرنا تواضعه في دخوله الشام في السيرة التي أفردناها له.

وقال أبو بكر بن أبى الدنيا حدثني الربيع بن ثعلب نا أبو إسماعيل المؤدب عن عبد الله بن مسلم ابن هرمز المكيّ عن أبى الغالية الشامي قال: قدم عمر بن الخطاب الجابية على طريق إيلياء على جمل أورق، تلوح صلعته للشمس، ليس عليه قلنسوة ولا عمامة، تصطفق رجلاه بين شعبتى الرحل بلا ركاب، ووطاؤه كساء انبجانى ذو صوف هو وطاؤه إذا ركب، وفراشه إذا نزل، حقيبته نمرة أو شملة محشوة ليفا، هي حقيبته إذا ركب ووسادته إذا نزل وعليه قميص من كرابيس قد رسم وتخرق جنبه. فقال:

ادعوا لي رأس القوم، فدعوا له الجلومس، فقال: اغسلوا قميصي وخيطوه وأعيرونى ثوبا أو قميصا.

<<  <  ج: ص:  >  >>