الخطاب أمر أن كل سبى أخذ في الخمسة أيام التي أمنوهم فيها أن يرد عليهم، وكل سبى أخذ ممن لم يقاتل وكذلك من قاتل فلا يرد عليه سباياه. وقيل إنه أمره أن يخيروا من في أيديهم من السبي بين الإسلام وبين أن يرجع إلى أهله، فمن أختار الإسلام فلا يردوه إليهم، ومن اختارهم ردوه عليهم وأخذوا منه الجزية، وأما ما تفرق من سبيهم في البلاد ووصل إلى الحرمين وغيرهما، فإنه لا يقدر على ردهم ولا ينبغي أن يصالحهم على ما يتعذر الوفاء به. ففعل عمرو ما أمر به أمير المؤمنين، وجمع السبايا وعرضوهم وخيروهم فمنهم من اختار الإسلام، ومنهم من عاد إلى دينه، وانعقد الصلح بينهم. ثم أرسل عمرو جيشا إلى اسكندرية - وكان المقوقس صاحب الاسكندرية قبل ذلك يؤدى خراج بلده وبلد مصر إلى ملك الروم - فلما حاصره عمرو بن العاص جمع أساقفته وأكابر دولته وقال لهم: إن هؤلاء العرب غلبوا كسرى وقيصر وأزالوهم عن ملكهم ولا طاقة لنا بهم، والرأى عندي أن نؤدي الجزية إليهم. ثم بعث إلى عمرو بن العاص يقول: إني كنت أؤدى الخراج إلى من هو أبغض إلى منكم - فارس والروم - ثم صالحه على أداء الجزية، وبعث عمرو بالفتح والأخماس إلى عمر بن الخطاب ﵁.
وذكر سيف أن عمرو بن العاص لما التقى مع المقوقس جعل كثير من المسلمين يفر من الزحف فجعل عمر يزمرهم ويحثهم على الثبات: فقال له رجل من أهل اليمن: إنا لم نخلق من حجارة ولا حديد.
فقال له عمرو: اسكت فأنما، أنت كلب. فقال له الرجل فأنت إذا أمير الكلاب. فأعرض عنه عمرو ونادى يطلب أصحاب رسول الله ﷺ فلما اجتمع إليه من هناك من الصحابة قال لهم عمرو:
تقدموا فبكم ينصر الله المسلمين. فنهدوا إلى القوم ففتح الله عليهم وظفروا أتم الظفر. قال سيف:
ففتحت مصر في ربيع الأول من سنة ست عشرة وقام فيها ملك الإسلام ولله الحمد والمنة. وقال غيره: فتحت مصر في سنة عشرين، وفتحت اسكندرية في سنة خمس وعشرين بعد محاصرة ثلاثة أشهر عنوة، وقيل صلحا على اثنى عشر ألف دينار. وقد ذكر أن المقوقس سأل من عمرو أن يهادنه أولا، فلم يقبل عمرو وقال له: قد علمتم ما فعلنا بملككم الأكبر هرقل. فقال المقوقس لأصحابه:
صدق فنحن أحق بالإذعان. ثم صالح على ما تقدم. وذكر غيره أن عمرا والزبير سارا إلى عين شمس فحاصراها وأن عمرا بعث إلى الفرما أبرهة بن الصباح، وبعث عوف بن مالك إلى الاسكندرية، فقال كل منهما لأهل بلده: إن نزلتم فلكم الأمان. فتربصوا ماذا يكون من أهل عين شمس، فلما صالحوا صالح الباقون. وقد قال عوف بن مالك لأهل اسكندرية: ما أحسن بلدكم؟ فقالوا: إن إسكندر لما بناها قال: لأبنين مدينة فقيرة إلى الله غنية عن الناس. فبقيت بهجتها. وقال أبرهة لأهل الفرما: ما أقبح مدينتكم؟ فقالوا إن الفرما - وهو أخو الإسكندر - لما بناها قال لأبنين مدينة