شيء يكرهه. فسار النعمان على تعبئته وعلى المقدمة نعيم بن مقرن، وعلى المجنبتين حذيفة وسويد بن مقرن، وعلى المجردة القعقاع بن عمرو، وعلى الساقة مجاشع بن مسعود، حتى انتهوا إلى الفرس وعليهم الفيرزان، ومعه من الجيش كل من غاب عن القادسية في تلك الأيام المتقدمة، وهو في مائة وخمسين ألفا، فلما تراءى الجمعان كبر النعمان وكبر المسلمون ثلاث تكبيرات، فزلزلت الأعاجم ورعبوا من ذلك رعبا شديدا. ثم أمر النعمان بحط الأثقال وهو واقف، فحط الناس أثقالهم، وتركوا رحالهم، وضربوا خيامهم وقبابهم. وضربت خيمة للنعمان عظيمة، وكان الذين ضربوا أربعة عشر من أشراف الجيش، وهم حذيفة بن اليمان، وعتبة بن عمرو، والمغيرة بن شعبة، وبشير بن الخصاصية، وحنظلة الكاتب، وابن الهوبر، وربعي بن عامر، وعامر بن مطر، وجرير بن عبد الله الحميري، وجرير بن عبد الله البجلي، والأقرع بن عبد الله الحميري، والأشعث بن قيس الكندي، وسعيد بن قيس الهمدانيّ، ووائل بن حجر، فلم ير بالعراق خيمة عظيمة أعظم من بناء هذه الخيمة، وحين حطوا الأثقال أمر النعمان بالقتال وكان يوم الأربعاء، فاقتتلوا ذلك اليوم والّذي بعده والحرب سجال، فلما كان يوم الجمعة انحجزوا في حصنهم، وحاصرهم المسلمون فأقاموا عليهم ما شاء الله، والأعاجم يخرجون إذا أرادوا ويرجعون إلى حصونهم إذا أرادوا. وقد بعث أمير الفرس يطلب رجلا من المسلمين ليكلمه، فذهب إليه المغيرة بن شعبة، فذكر من عظيم ما رأى عليه من لبسه ومجلسه، وفيما خاطبه به من الكلام في احتقار العرب واستهانته بهم، وأنهم كانوا أطول الناس جوعا، وأقلهم دارا وقدرا. وقال: ما يمنع هؤلاء الأساورة حولي أن ينتظموكم بالنشاب إلا مجا من جيفكم، فان تذهبوا نخل عنكم، وإن تابوا نزركم مصارعكم. قال: فتشهدت وحمدت الله وقلت: لقد كنا أسوأ حالا مما ذكرت، حتى بعث الله رسوله فوعدنا النصر في الدنيا، والخير في الآخرة، وما زلنا نتعرض من ربنا النصر منذ بعثت الله رسوله إلينا، وقد جئناكم في بلادكم وإنا لن نرجع إلى ذلك الشقاء أبدا حتى نغلبكم على بلادكم وما في أيديكم أو نقتل بأرضكم. فقال: أما والله إن الأعور لقد صدقكم ما في نفسه. فلما طال على المسلمين هذا الحال واستمر، جمع النعمان بن مقرن أهل الرأى من الجيش، وتشاوروا في ذلك، وكيف يكون من أمرهم حتى يتواجهوا هم والمشركون في صعيد واحد، فتكلم عمرو بن أبى سلمة أولا - وهو أسن من كان هناك - فقال: إن بقاءهم على ما هم عليه أضر عليهم من الّذي يطلبه منهم وأبقى على المسلمين.
فرد الجميع عليه وقالوا: إنا لعلى يقين من إظهار ديننا، وإنجاز موعود الله لنا. وتكلم عمرو بن معديكرب فقال: ناهدهم وكاثرهم ولا تخفهم. فردوا جميعا عليه وقالوا: انما تناطح بنا الجدران والجدران أعوان لهم علينا. وتكلم طليحة الأسدي فقال: إنهما لم يصيبا، وإني أرى أن تبعث سرية فتحدق بهم ويناوشوهم بالقتال ويحمشوهم فإذا برزوا إليهم فليفروا إلينا هرابا، فإذا استطردوا