أجب أمير المؤمنين، فقلت: لماذا؟ فقال: لا أدرى. فرجعنا على إثرنا، حتى انتهيت إليه. قال:
ما لي ولك يا ابن أم السائب، بل ما لابن أم السائب وما لي، قال: فقلت: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ فقال: ويحك والله إن هو إلا أن نمت في الليلة التي خرجت فيها فباتت ملائكة الله تسحبنى إلى ذينك السفطين وهما يشتعلان نارا، يقولون لنكوينك بهما. فأقول: إني أقسمهما بين المسلمين.
فاذهب بهما لا أبا لك فبعهما فاقسمهما في أعطية المسلمين وأرزاقهم، فإنهم لا يدرون ما وهبوا ولم تدر أنت معهم.
قال السائب: فأخذتهما حتى جئت بهما مسجد الكوفة وغشيتني التجار فابتاعهما منى عمرو بن حريث المخزومي بألفي ألف. ثم خرج بهما إلى أرض الأعاجم فباعهما بأربعة آلاف ألف. فما زال أكثر أهل الكوفة ما لا بعد ذلك. قال سيف: ثم قسم ثمنهما بين الغانمين فنال كل فارس أربعة آلاف درهم من ثمن السفطين. قال الشعبي: وحصل للفارس من أصل الغنيمة ستة آلاف وللراجل ألفان وكان المسلمون ثلاثين ألفا.
قال: وافتتحت نهاوند في أول سنة تسع عشرة لسبع سنين من إمارة عمر، رواه سيف عن عمرو ابن محمد عنه. وبه عن الشعبي قال: لما قدم سبى نهاوند إلى المدينة جعل أبو لؤلؤة - فيروز غلام المغيرة ابن شعبة - لا يلقى منهم صغيرا إلا مسح رأسه وبكى وقال: أكل عمر كبدي - وكان أصل أبى لؤلؤة من نهاوند فأسرته الروم أيام فارس وأسرته المسلمون بعد، فنسب إلى حيث سبى - قالوا: ولم تقم للأعاجم بعد هذه الوقعة قائمة، وأتحف عمر الذين أبلوا فيها بألفين تشريفا لهم وإظهارا لشأنهم.
وفي هذه السنة افتتح المسلمون أيضا بعد نهاوند مدينة جىّ - وهي مدينة أصبهان - بعد قتال كثير وأمور طويلة، فصالحوا المسلمين وكتب لهم عبد الله بن عبد الله كتاب أمان وصلح وفر منهم ثلاثون نفرا إلى كرمان لم يصالحوا المسلمين. وقيل: إن الّذي فتح أصبهان هو النعمان بن مقرن وأنه قتل بها، ووقع أمير المجوس وهو ذو الحاجبين عن فرسه فانشق بطنه ومات وانهزم أصحابه. والصحيح أن الّذي فتح أصبهان عبد الله بن عبد الله بن عتبان - الّذي كان نائب الكوفة - وفيها افتتح أبو موسى قم وقاشان، وافتتح سهيل بن عدي مدينة كرمان.
وذكر ابن جرير عن الواقدي: أن عمرو بن العاص سار في جيش معه إلى طرابلس قال: وهي برقة فافتتحها صلحا على ثلاثة عشر ألف دينار في كل سنة.
قال: وفيها بعث عمرو بن العاص عقبة بن نافع الفهري إلى زويلة ففتحها بصلح، وصار ما بين برقة إلى زويلة سلما للمسلمين. قال: وفيها ولى عمر عمار بن ياسر على الكوفة بدل زياد بن حنظلة الّذي ولاه بعد عبد الله بن عبد الله بن عتبان، وجعل عبد الله بن مسعود على بيت المال، فاشتكى