فقالوا: إنا نرى أن نصانع هؤلاء القوم فان لهم ذمة ودينا يرجعون إليه، فنكون في بعض هذه البلاد وهم مجاورينا، فهم خير لنا من غيرهم. فأبى عليهم كسرى ذلك. ثم بعث إلى ملك الصين يستغيث به ويستنجده فجعل ملك الصين يسأل الرسول عن صفة هؤلاء القوم الذين قد فتحوا البلاد وقهروا رقاب العباد، فجعل يخبره عن صفتهم، وكيف يركبون الخيل والإبل، وماذا يصنعون؟ وكيف يصلون. فكتب معه إلى يزدجرد: إنه لم يمنعني أن أبعث إليك بجيش أوله بمرو وآخره بالصين الجهالة بما يحق على، ولكن هؤلاء القوم الذين وصف لي رسولك [صفتهم لو يحاولون الجبال لهدوها، ولو جئت لنصرك أزالونى ما داموا على ما وصف لي رسولك](١) فسالمهم وارض منهم بالمسالمة. فأقام كسرى وآل كسرى في بعض البلاد مقهورين. ولم يزل ذلك دأبه حتى قتل بعد سنتين من إمارة عثمان كما سنورده في موضعه. ولما بعث الأحنف بكتاب الفتح وما أفاء الله عليهم من أموال الترك ومن كان معهم، وأنهم قتلوا منهم مع ذلك مقتلة عظيمة، ثم ردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا. فقام عمر على المنبر وقرئ الكتاب بين يديه، ثم قال عمر: إن الله بعث محمدا بالهدى [ووعد على اتباعه من عاجل الثواب وآجله خير الدنيا والآخرة، فقال: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى](٢) وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ فالحمد لله الّذي أنجز وعده، ونصر جنده. ألا وإن الله قد أهلك ملك المجوسية وفرق شملهم، فليسوا يملكون من بلادهم شبرا يضير بمسلم، ألا وإن الله قد أورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأبناءهم لينظر كيف تعملون، فقوموا في أمره على وجل، يوف لكم بعهده، ويؤتكم وعده، ولا تغيروا يستبدل قوما غيركم، فانى لا أخاف على هذه الأمة أن تؤتى إلا من قبلكم.
وقال شيخنا أبو عبد الله الذهبي الحافظ في تاريخ هذه السنة - أعنى سنة ثنتين وعشرين -:
وفيها فتحت أذربيجان على يدي المغيرة بن شعبة. قاله ابن إسحاق: فيقال، إنه صالحهم على ثمانمائة ألف درهم. وقال أبو عبيدة: فتحها حبيب بن سلمة الفهري بأهل الشام عنوة، ومعه أهل الكوفة فيهم حذيفة فافتتحها بعد قتال شديد والله أعلم. وفيها افتتح حذيفة الدينور عنوة - بعد ما كان سعد افتتحها فانتقضوا عهدهم -. وفيها افتتح حذيفة ماه سندان عنوة - وكانوا نقضوا أيضا عهد سعد - وكان مع حذيفة أهل البصرة فلحقهم أهل الكوفة فاختصموا في الغنيمة، فكتب عمر: إن الغنيمة لمن شهد الوقعة. قال: أبو عبيدة ثم غزا حذيفة همذان فافتتحها عنوة، ولم تكن فتحت قبل ذلك، وإليها انتهى فتوح حذيفة. قال: ويقال افتتحها جرير بن عبد الله بأمر المغيرة ويقال: افتتحها المغيرة سنة أربع وعشرين. وفيها افتتحت جرجان. قال خليفة: وفيها افتتح عمرو بن العاص