نحن عليّ حنين الجارية، وما الّذي نهيتني عنه فعصيتك؟ فقال: ألم آمرك قبل مقتل عثمان أن تخرج منها لئلا يقتل وأنت بها، فيقول قائل أو يتحدث متحدث؟ ألم آمرك أن لا تبايع الناس بعد قتل عثمان حتى يبعث إليك أهل كل مصر ببيعتهم؟ وأمرتك حين خرجت هذه المرأة وهذان الرجلان أن تجلس في بيتك حتى يصطلحوا فعصيتني في ذلك كله؟ فقال له على: أما قولك أن أخرج قبل مقتل عثمان فلقد أحيط بنا كما أحيط به، وأما مبايعتي قبل مجيء بيعة الأمصار فكرهت أن يضيع هذا الأمر، وأما أن أجلس وقد ذهب هؤلاء إلى ما ذهبوا إليه. فتريد منى أن أكون كالضبع التي يحاط بها، ويقال ليست هاهنا، حتى يشق عرقوبها فتخرج، فإذا لم انظر فيما يلزمني في هذا الأمر ويعنيني، فمن ينظر فيه؟ فكف عنى يا بنى، ولما انتهى إليه خبر ما صنع القوم بالبصرة من الأمر الّذي قدمنا كتب إلى أهل الكوفة مع محمد بن أبى بكر، ومحمد بن جعفر، إني قد اخترتكم على أهل الأمصار، فرغبت إليكم وفرغت لما حدث، فكونوا لدين الله أعوانا وأنصارا، وانهضوا إلينا فالاصلاح نريد لنعود هذه الأمة إخوانا، فمضيا، وأرسل إلى المدينة فأخذ ما أراد من سلاح ودواب، وقام في الناس خطيبا فقال: إن الله أعزنا بالإسلام ورفعنا به، وجعلنا به إخوانا، بعد ذلة وقلة وتباغض وتباعد، فجرى الناس على ذلك ما شاء الله، الإسلام دينهم، والحق قائم بينهم، والكتاب إمامهم، حتى أصيب هذا الرجل بأيدي هؤلاء القوم الذين نزغهم الشيطان لينزغ بين هذه الأمة، ألا وإن هذه الأمة لا يد مفترقة كما افترقت الأمم قبلها، فنعوذ بالله من شر ما هو كائن. ثم عاد ثانية فقال: إنه لا بد مما هو كائن أن يكون، ألا وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، شرها فرقة تحبني ولا تعمل بعملي، وقد أدركتم ورأيتم، فالزموا دينكم، واهتدوا بهديى فإنه هدى نبيكم، واتبعوا سنته، وأعرضوا عما أشكل عليكم، حتى تعرضوه على الكتاب، فما عرفه القرآن فالزموه، وما أنكره فردوه، وارضوا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن حكما وإماما. قال فلما عزم على المسير من الرَّبَذَة قام إليه ابن أبى رفاعة بن رافع، فقال: يا أمير المؤمنين أي شيء تريد؟ وأين تذهب بنا؟ فقال: أما الّذي نريد وننوى فالاصلاح، وإن قبلوا منا وأجابوا إليه، قال: فان لم يجيبوا إليه؟ قال: نعدهم بغدرهم ونعطيهم الحق ونصبر. قال: فان لم يرضوا؟ قال: ندعهم ما تركونا، قال: فان لم يتركونا؟ قال: امتنعنا منهم، قال: فنعم إذا. فقام إليه الحجاج بن غزية الأنصاري فقال: لأرضينك بالفعل كما أرضيتنى بالقول، والله لينصرني الله كما سمانا أنصارا. قال: وأتت جماعة من طيئ وعلى بالربذة، فقيل له: هؤلاء جماعة جاءوا من طيئ منهم من يريد الخروج معك ومنهم من يريد السلام عليك، فقال: جزى الله كلا خيرا ﴿وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً﴾ قالوا: فسار على من الرَّبَذَة على تعبئته وهو راكب ناقة حمراء يقود فرسا كميتا فلما كان بفيد جاءه جماعة من أسد