للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ: وَالْخَوَارِجُ يَزْعُمُونَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ حَكَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ الراسبي. قلت: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَقَدْ أَخَذَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ طَوَائِفُ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ مِنَ القراء وقالوا: لا حكم إلا للَّه، فسموا المحكية. وتفرق الناس إلى بلادهم من صفين، وخرج معاوية إلى دمشق بأصحابه، ورجع على إلى الكوفة على طريق هيت فلما دخل الْكُوفَةَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: ذَهَبَ عَلِيٌّ وَرَجَعَ فِي غَيْرِ شَيْءٍ.

فَقَالَ عَلِيٌّ: لَلَّذِينَ فَارَقْنَاهُمْ خير من هؤلاء وأنشأ يقول:

أخوك الّذي إن أحرجتك ملمة ... من الدهر لم يبرح لبثك راحما

وليس أخوك بالذي إن تشعبت ... عليك أمور ظَلَّ يَلْحَاكَ لَائِمَا

ثُمَّ مَضَى فَجَعَلَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى دَخَلَ قَصْرَ الْإِمَارَةِ مِنَ الْكُوفَةِ، ولما كان قد قارب دخول الكوفة اعتزل مَنْ جَيْشِهِ قَرِيبٌ مِنِ- اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا- وَهُمُ الْخَوَارِجُ، وَأَبَوْا أَنْ يُسَاكِنُوهُ فِي بَلَدِهِ، وَنَزَلُوا بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ حَرُورَاءُ وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ أَشْيَاءَ فِيمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ ارْتَكَبَهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَنَاظَرَهُمْ فَرَجَعَ أَكْثَرُهُمْ وَبَقِيَ بَقِيَّتُهُمْ، فَقَاتَلَهُمْ على بن أبى طالب وَأَصْحَابُهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجَ هم المشار إليهم في الحديث المتفق على صحته أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ- وَفِي رِوَايَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي رِوَايَةٍ من أمتى- فيقتلها أولى الطائفتين» . وَهَذَا الْحَدِيثُ لَهُ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَأَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ قال الامام أحمد: حدثنا وكيع وعفان بن الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ.

قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق» رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخٍ عَنْ الْقَاسِمِ بن محمد بِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تكون أمتى فرقتين تخرج بينهما مارقة تلى قتلها أولاهما» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ وَدَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ بِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ذَكَرَ قوما يكونون في أمته يخرجون في فرقة مِنَ النَّاسِ، سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ- أَوْ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ- يَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ من الحق» قال أبو سعيد: فأنتم قَتَلْتُمُوهُمْ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا عَوْفٌ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَفْتَرِقُ أُمَّتِي فِرْقَتَيْنِ فَتَمْرُقُ بَيْنَهُمَا مَارِقَةٌ فَيَقْتُلُهَا أَوْلَى الطائفتين بالحق» ورواه عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ عَوْفٍ وَهُوَ الْأَعْرَابِيُّ بِهِ مِثْلَهُ فَهَذِهِ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْمُنْذِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ قِطْعَةَ الْعَبْدِيِّ، وَهُوَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الرُّفَعَاءِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنِ الضحاك المشرقي عن أبي سعيد بنحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>