للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

امتنع من إعطائه فليقتله ثم يأتى المدينة ومكة والحجاز. فسار إلى تيماء واجتمع عليه بشر كثير، فلما بلغ عليا بعث المسيب بن نجيبة الفزاري في ألفى رجل فالتقوا بتيماء فاقتتلوا قتالا شديدا عند زوال الشمس، وحمل المسيب بن نجية على ابن مسعدة فضربه ثلاث ضربات وهو لا يريد قتله بل يقول له: النجا النجا، فانحاز ابن مسعدة في طائفة من قومه إلى حصن هناك فتحصنوا به وهرب بقيتهم إلى الشام، وانتهبت الأعراب ما كان جمعه ابن نجية من إبل الصدقة، وحاصرهم المسيب بن نجية ثلاثة أيام ثم ألقى الحطب على الباب وألهب فيه النار، فلما أحسوا بالهلاك أشرفوا من الحصن، ومتوا إليه بأنهم من قومه فرق لهم وأطفأ النار، فلما كان الليل فتح باب الحصن وخرجوا هرابا إلى الشام، فقال عبد الرحمن بن شبيب للمسيب بن نجية: سر حتى ألحقهم! فقال: لا! فقال: غششت أمير المؤمنين داهنت في أمرهم. وفيها وجه معاوية الضحاك بن قيس في ثلاثة آلاف وأمره أن يغير على أطراف جيش على، فجهز على حجر بن عدي في أربعة آلاف وأنفق فيهم خمسين درهما خمسين درهما، فالتقوا بتدمر فقتل من أصحاب الضحاك تسعة عشر رجلا، ومن أصحاب حجر بن عدي رجلان، وغشيهم الليل فتفرقوا، واستمر الضحاك بأصحابه فارا إلى الشام. وفيها سار معاوية بنفسه في جيش كثيف حتى بلغ دجلة ثم كر راجعا. ذكره محمد بن سعد عن الواقدي باسناده وأبو معشر أيضا وفي هذه السنة ولى على بن أبى طالب زياد بن أبيه على أرض فارس، وكانوا قد منعوا الخراج والطاعة، وسبب ذلك حين قتل ابن الحضرميّ وأصحابه بالنار حين حرقهم جارية بن قدامة في تلك الدار كما قدمنا، فلما اشتهر هذا الصنيع في البلاد تشوش قلوب كثير من الناس على على، واختلفوا على على، ومنع أكثر أهل تلك النواحي خراجهم، ولا سيما أهل فارس فإنهم تمردوا وأخرجوا عاملهم سهل بن حنيف - كما تقدم في العام الماضي - من بين أظهرهم، فاستشار على الناس فيمن يوليه عليهم،

فأشار ابن عباس وجارية بن قدامة أن يولى عليهم زياد بن أبيه، فإنه صليب الرأى، عالم بالسياسة.

فقال على: هو لها، فولاه فارس وكرمان وجهزه إليهما في أربعة آلاف فارس، فسار إليها في هذه السنة فدوخ أهلها وقهرهم حتى استقاموا وأدوا الخراج وما كان عليهم من الحقوق، ورجعوا إلى السمع والطاعة، وسار فيهم بالمعدلة والأمانة، حتى كان أهل تلك البلاد يقولون: ما رأينا سيرة أشبه بسيرة كسرى أنوشروان من سيرة هذا العربيّ في اللين والمداراة والعلم بما يأتى، وصفت له تلك البلاد بعدله وعلمه وصرامته، واتخذ للمال قلعة حصينة، فكانت تعرف بقلعة زياد، ثم لما تحصن فيها منصور اليشكري فيما بعد ذلك عرفت به فكان يقال لها قلعة منصور.

قال الواقدي: وفي هذه السنة بعث على بن أبى طالب عبد الله بن عباس على الموسم وبعث معاوية يزيد بن سخبرة الرهاوي ليقيم للناس الحج فلما اجتمعا بمكة تنازعا وأبى كل واحد

<<  <  ج: ص:  >  >>