مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ * قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ تقدير الكلام فأتياه فقالا له ذلك وبلغاه ما أرسلا به من دعوته الى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له وأن يفك أسارى بنى إسرائيل من قبضته وقهره وسطوته وتركهم يعبدون ربهم حيث شاءوا ويتفرغون لتوحيده ودعائه والتضرع لديه فتكبر فرعون في نفسه وعتا وطغى ونظر الى موسى بعين الازدراء والتنقص قائلا له ﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ أي اما أنت الّذي ربيناه في منزلنا وأحسنا اليه وأنعمنا عليه مدة من الدهر وهذا يدل على أن فرعون الّذي بعث اليه هو الّذي فر منه خلافا لما عند أهل الكتاب من أن فرعون الّذي فر منه مات في مدة مقامه بمدين وأن الّذي بعث اليه فرعون آخر. وقوله ﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ﴾ أي وقتلت الرجل القبطي وفررت منا وجحدت نعمتنا ﴿قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضّالِّينَ﴾ أي قبل أن يوحى الى وينزل على ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ ثم قال مجيبا لفرعون عما امتن به من التربية والإحسان اليه وتلك نعمة تمنها على أن عبدت بنى إسرائيل أي وهذه النعمة التي ذكرت من أنك أحسنت الى وأنا رجل واحد من بنى إسرائيل تقابل ما استخدمت هذا الشعب العظيم بكماله واستعبدتهم في أعمالك وخدمك وأشغالك ﴿قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ﴾.
﴿* قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ * قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ يذكر تعالى ما كان بين فرعون وموسى من المقاولة والمحاجة والمناظرة وما أقامه الكليم على فرعون اللئيم من الحجة العقلية المعنوية ثم الحسية. وذلك أن فرعون قبحه الله أظهر جحد الصانع ﵎. وزعم أنه الإله ﴿فَحَشَرَ فَنادى * فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى﴾ وقال ﴿يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي﴾. وهو في هذه المقالة معاند يعلم أنه عبد مربوب وأن الله هو الخالق البارئ المصور الإله الحق كما قال تعالى ﴿وَجَحَدُوا بِها وَاِسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ ولهذا قال لموسى ﵇ على سبيل الإنكار لرسالته والإظهار انه ما ثم رب أرسله ﴿وَما رَبُّ الْعالَمِينَ﴾ لأنهما قالا له ﴿إِنّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ فكأنه يقول لهما ومن رب العالمين الّذي تزعمان أنه أرسلكما وابتعثكما فأجابه موسى قائلا ﴿رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ يعنى رب العالمين خالق هذه السموات والأرض المشاهدة وما بينهما من المخلوقات المتجددة من السحاب والرياح والمطر والنبات والحيوانات التي يعلم كل موقن انها لم تحدث بأنفسها ولا بد لها من موجد ومحدث وخالق وهو الله الّذي لا إله إلا هو رب العالمين. (قال) أي فرعون لمن حوله من أمرائه ومرازبته ووزرائه