للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قالُوا لا ضَيْرَ إِنّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ * إِنّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ والمقصود أن فرعون كذب وافترى وكفر غاية الكفر في قوله إنه لكبيركم الّذي علمكم السحر وأتى ببهتان يعلمه العالمون بل العالمون في قوله ﴿إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ وقوله ﴿لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ﴾ يعنى يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى وعكسه ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أي ليجعلهم مثلة ونكالا لئلا يقتدى بهم أحد من رعيته وأهل ملته ولهذا قال ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ أي على جذوع النخل لأنها أعلى وأشهر ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى﴾ يعنى في الدنيا ﴿قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ﴾ أي لن نطيعك ونترك ما وقر في قلوبنا من البينات والدلائل القاطعات ﴿وَالَّذِي فَطَرَنا﴾ قيل معطوف. وقيل قسم ﴿فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ﴾ أي فافعل ما قدرت عليه ﴿إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا﴾ أي إنما حكمك علينا في هذه الحياة الدنيا فإذا انتقلنا منها الى الدار الآخرة صرنا الى حكم الّذي أسلمنا له واتبعنا رسله ﴿إِنّا آمَنّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى﴾ أي وثوابه خير مما وعدتنا به من التقريب والترغيب وأبقى أي وأدوم من هذه الدار الفانية وفي الآية الأخرى ﴿قالُوا لا ضَيْرَ إِنّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ * إِنّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا﴾ أي ما اجترمناه من المآثم والمحارم أن كنا أول المؤمنين أي من القبط بموسى وهارون * وقالوا له أيضا ﴿وَما تَنْقِمُ مِنّا إِلاّ أَنْ آمَنّا بِآياتِ رَبِّنا لَمّا جاءَتْنا﴾ أي ليس لنا عندك ذنب إلا إيماننا بما جاءنا به رسولنا واتباعنا آيات ربنا لما جاءتنا ﴿رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً﴾ أي ثبتنا على ما ابتلينا به من عقوبة هذا الجبار العنيد والسلطان الشديد بل الشيطان المريد ﴿وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ﴾ وقالوا أيضا يعظونه ويخوفونه بأس ربه العظيم ﴿إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى﴾ يقولون له فإياك أن تكون منهم فكان منهم ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى﴾ أي المنازل العالية ﴿جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكّى﴾ فاحرص أن تكون منهم فحالت بينه وبين ذلك الأقدار التي لا تغالب ولا تمانع وحكم العلى العظيم بان فرعون لعنه الله من أهل الجحيم ليباشر العذاب الأليم يصب من فوق رأسه الحميم * ويقال له على وجه التقريع والتوبيخ وهو المقبوح المنبوح والذميم اللئيم ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ والظاهر من هذه السياقات أن فرعون لعنه الله صلبهم وعذبهم . قال عبد الله بن عباس وعبيد بن عمير كانوا من أول النهار سحرة فصاروا من آخره شهداء بررة * ويؤيد هذا قولهم ﴿رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ﴾.

<<  <  ج: ص:  >  >>