للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ماذا تقول لا فراخ بذي مرح … زعب الحواصل لا ماء ولا شجر

غادرت كاسبهم في قعر مظلمة … فارحم هداك مليك الناس يا عمر

أنت الامام الّذي من بعد صاحبه … ألقى إليك مقاليد النهى البشر

لم يؤثروك بها إذ قدموك لها … لكن لأنفسهم كانت بك الأثر

فامنن على صبية بالرمل مسكنهم … بين الأباطح يغشاهم بها القدر

نفسي فداؤك كم بيني وبينهم … من عرض وادية يعمى بها الخبر

قال: فلما قال الحطيئة: ماذا تقول الافراخ بذي مرح، بكى عمر، فقال عمرو بن العاص:

ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أعدل من رجل يبكى على تركه الحطيئة. ثم ذكروا أنه أراد قطع لسان الحطيئة لئلا يهجو به الناس فأجلسه على كرسي وجيء بالموسى، فقال الناس: لا يعود يا أمير المؤمنين وأشاروا إليه قل: لا أعود، فقال له عمر النجا، فلما ولى قال له عمر: ارجع يا حطيئة، فرجع فقال له: كأنى بك عند شاب من قريش قد كسر لك نمرقة، وبسط لك أخرى، وقال:

يا حطيئة غننا، فاندفعت تغنيه بأعراض الناس، قال أسلم: فرأيت الحطيئة بعد ذلك عند عبيد الله ابن عمر وقد كسر له نمرقة وبسط له أخرى، وقال: يا حطيئة غننا فاندفع حطيئة يغنى، فقلت له:

يا حطيئة أتذكر يوم عمر حين قال لك ما قال؟ ففزع وقال: رحم الله ذلك المرء، لو كان حيا ما فعلنا هذا، فقلت لعبيد الله: إني سمعت أباك يقول كذا وكذا فكنت أنت ذلك الرجل، وقال الزبير:

حدثني محمد بن الضحاك عن أبيه قال قال عمر للحطيئة: دع قول الشعر. قال لا أستطيع، قال: لم؟ قال: هو مأكلة عيالي، وعلة لساني، قال: فدع المدحة المجحفة، قال: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال تقول بنو فلان أفضل من بنى فلان، امدح ولا تفضل، فقال: أنت أشعر منى يا أمير المؤمنين. ومن مديحه الجيد المشهور قوله:

أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم … من اللوم أو سدّوا المكان الّذي سدّوا

أولئك قومي إن بنوا أحسنوا البنا … وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا

وإن كانت النعماء فيهم جزوا بها … وإن أنعموا لا كدروها ولا كدّوا

قالوا: ولما احتضر الحطيئة قيل له أوص قال أوصيكم بالشعر، ثم قال:

الشعر صعب وطويل سلّمه … إذا ارتقى فيه الّذي لا يعلمه

زلت به إلى الحضيض قدمه … والشعر لا يستطيعه من يظلمه

أراد أن يعربه فأعجمه

قال أبو الفرج ابن الجوزي في المنتظم: توفى الحطيئة في هذه السنة، وذكر أيضا فيها وفاة

<<  <  ج: ص:  >  >>