كأنه مجنون، يريد بذلك أن يضحكهم، فيفزع الصبيان منه ويفرون عنه هاهنا وهاهنا يتضاحكون.
قال أبو رافع: وربما دعاني أبو هريرة إلى عشائه بالليل فيقول: دع العراق للأمير - يعنى قطع اللحم - قال: فأنظر فإذا هو ثريد بالزيت. وقال ابن وهب: حدثني عمرو بن الحارث عن يزيد بن زياد القرظي أن ثعلبة بن أبى مالك حدثه أن أبا هريرة أقبل في السوق يحمل حزمة حطب وهو يومئذ خليفة مروان فقال: أوسع الطريق للأمير يا ابن أبى مالك. فقلت: أصلحك الله تلقى هذا، فقال: أوسع الطريق للأمير والحزمة عليه. وقد تقدم هذا. وروى نحوه من غير وجه. وقال أبو الزعيزعة كاتب مروان:
بعث مروان إلى أبى هريرة بمائة دينار، فلما كان الغد بعث إليه: إني غلطت ولم أردك بها، وإني إنما أردت غيرك. فقال أبو هريرة: قد أخرجتها فإذا خرج عطائي فخذها منه - وكان قد تصدق بها - وإنما أراد مروان اختباره. وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الأعلى بن عبد الجبار ثنا حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد بن المسيب قال: كان معاوية إذا أعطى أبا هريرة سكت، وإذا أمسك عنه تكلم.
وروى غير واحد عن أبى هريرة أنه جاءه شاب فقال: يا أبا هريرة إني أصبحت صائما فدخلت على أبى فجاءني بخبز ولحم فأكلت ناسيا، فقال: طعمة أطعمكها الله لا عليك، قال: ثم دخلت دارا لأهلى فجيء بلبن لقحة فشربته ناسيا، قال: لا عليك، قال: ثم نمت فاستيقظت فشربت ماء، وفي رواية وجامعت ناسيا، فقال أبو هريرة: إنك يا ابن أخى لم تعتد الصيام. [وقال غير واحد: كان أبو هريرة إذا رأى الجنازة قال: روحوا فانا غادون، أو اغدوا فانا رائحون. وروى غير واحد أنه لما حضرته الوفاة بكى فقيل له: ما يبكيك؟ قال: على قلة الزاد وشدة المفازة، وأنا على عقبة هبوط إما إلى جنة أو إلى نار فما أدرى إلى أيهما أصير](١) وقال مالك عن سعيد بن أبى سعيد المقبري. قال: دخل مروان على أبى هريرة في مرضه الّذي مات فيه فقال: شفاك الله يا أبا هريرة، فقال أبو هريرة: اللهمّ إني أحب لقاءك فأحب لقائي. قال: فما بلغ مروان أصحاب القطن حتى مات أبو هريرة وقال يعقوب ابن سفيان عن دحيم عن الوليد بن جابر عن عمير بن هانئ. قال قال أبو هريرة: اللهمّ لا تدركني سنة ستين، قال: فتوفى فيها أو قبلها بسنة، وهكذا قال الواقدي: إنه توفى سنة تسع وخمسين، عن ثمان وسبعين سنة، قال الواقدي: وهو الّذي صلى على عائشة في رمضان، وعلى أم سلمة في شوال سنة تسع وخمسين، ثم توفى أبو هريرة بعدهما فيها، كذا قال، والصواب أن أم سلمة تأخرت بعد أبى هريرة. وقد قال غير واحد: إنه توفى سنة تسع وخمسين وقيل ثمان، وقيل سبع وخمسين، والمشهور تسع وخمسين. قالوا: وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبى سفيان نائب المدينة، وفي القوم ابن عمر وأبو سعيد وخلق من الصحابة وغيرهم، وكان ذلك عند صلاة العصر، وكانت وفاته في داره بالعقيق،