ينفعهم ذلك ولم يردّ عنهم قدر الّذي يقول للشيء كن فيكون ﴿وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ﴾. ولهذا يقول الناس على سبيل التهكم صار فرعون مذكرا وهذا منه فان فرعون في زعمه يخاف على الناس أن يضلهم موسى ﵇.
﴿وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ﴾ أي عذت بالله ولجأت اليه بجنابه من أن يسطو فرعون وغيره على بسوء وقوله ﴿مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ﴾ أي جبار عنيد لا يرعوى ولا ينتهى ولا يخاف عذاب الله وعقابه لأنه لا يعتقد معادا ولا جزاء. ولهذا قال ﴿مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ * وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّابٌ * يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاّ ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاّ سَبِيلَ الرَّشادِ﴾ وهذا الرجل هو ابن عم فرعون وكان يكتم إيمانه من قومه خوفا منهم على نفسه * وزعم بعض الناس أنه كان إسرائيليا وهو بعيد ومخالف لسياق الكلام لفظا ومعنى والله أعلم * قال ابن جريج قال ابن عباس لم يؤمن من القبط بموسى إلا هذا والّذي جاء من أقصى المدينة وامرأة فرعون. رواه ابن أبى حاتم * قال الدارقطنيّ لا يعرف من اسمه شمعان بالشين المعجمة إلا مؤمن آل فرعون * حكاه السهيليّ * وفي تاريخ الطبراني أن اسمه خير فالله أعلم. والمقصود أن هذا الرجل كان يكتم إيمانه فلما هم فرعون لعنه الله بقتل موسى ﵇ وعزم على ذلك وشاور ملأه فيه خاف هذا المؤمن على موسى فتلطف في رد فرعون بكلام جمع فيه الترغيب والترهيب فقال على وجه المشورة والرأى وقد ثبت
في الحديث عن رسول الله ﷺ أنه قال أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر. وهذا من أعلى مراتب هذا المقام فان فرعون لأشد جورا منه وهذا الكلام لا أعدل منه لأن فيه عصمة نبي * ويحتمل أنه كاشرهم بإظهار إيمانه وصرح لهم بما كان يكتمه والأول أظهر والله أعلم قال ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ﴾ أي من أجل أنه قال ربى الله فمثل هذا لا يقابل بهذا بل بالإكرام والاحترام والموادعة وترك الانتقام يعنى لأنه ﴿قَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ أي بالخوارق التي دلت على صدقه فيما جاء به عمن أرسله فهذا إن وادعتموه كنتم في سلامة لأنه ﴿إِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ﴾ ولا يضركم ذلك ﴿وَإِنْ يَكُ صادِقاً﴾ وقد تعرضتم له ﴿يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾ أي وأنتم تشفقون أن ينالكم أيسر جزاء مما يتوعدكم به فكيف بكم إن حل جميعه عليكم.
وهذا الكلام في هذا المقام من أعلى مقامات التلطف والاحتراز والعقل التام. وقوله ﴿يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ يحذرهم أن يسلبوا هذا الملك العزيز فإنه ما تعرض الدول للدين