متى تهلك العرب، إذا ساسهم من لم يدرك الجاهلية ولم يكن له قدم في الإسلام. قلت: يزيد بن معاوية أكثر ما تقم عليه في عمله شرب الخمر وإتيان بعض الفواحش، فأما قتل الحسين فإنه كما قال جده أبو سفيان يوم أحد لم يأمر بذلك ولم يسؤه. وقد قدمنا أنه قال: لو كنت أنا لم أفعل معه ما فعله ابن مرجانة - يعنى عبيد الله بن زياد - وقال للرسل الذين جاءوا برأسه: قد كان يكفيكم من الطاعة دون هذا، ولم يعطهم شيئا، وأكرم آل بيت الحسين وردّ عليهم جميع ما فقد لهم وأضعافه، وردهم إلى المدينة في محامل وأهبة عظيمة، وقد ناح أهله في منزله على الحسين حين كان أهل الحسين عندهم ثلاثة أيام، وقيل إن يزيد فرح بقتل الحسين أول ما بلغه ثم ندم على ذلك، فقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: إن يونس بن حبيب الجرمي حدثه قال: لما قتل ابن زياد الحسين ومن معه بعث برءوسهم إلى يزيد، فسرّ بقتله أولا وحسنت بذلك منزلة ابن زياد عنده، ثم لم يلبث إلا قليلا حتى ندم! فكان يقول: وما كان على لو احتملت الأذى وأنزلته في داري وحكمته فيما يريده، وإن كان على في ذلك وكف ووهن في سلطاني، حفظا لرسول الله ﷺ، ورعاية لحقه وقرابته، ثم يقول:
لعن الله ابن مرجانة فإنه أحرجه واضطره، وقد كان سأله أن يخلى سبيله أو يأتينى أو يكون بثغر من ثغور المسلمين حتى يتوفاه الله، فلم يفعل، بل أبى عليه وقتله، فبغضنى بقتله إلى المسلمين، وزرع لي في قلوبهم العداوة، فأبغضني البر والفاجر بما استعظم الناس من قتل حسينا، ما لي ولابن مرجانة قبحه الله وغضب عليه.
ولما خرج أهل المدينة عن طاعته وخلعوه وولوا عليهم ابن مطيع وابن حنظلة، لم يذكروا عنه - وهم أشد الناس عداوة له - إلا ما ذكروه عنه من شرب الخمر وإتيانه بعض القاذورات، لم يتهموه بزندقة كما يقذفه بذلك بعض الروافض، بل قد كان فاسقا والفاسق لا يجوز خلعه لأجل ما يثور بسبب ذلك من الفتنة ووقوع الهرج كما وقع زمن الحرة، فإنه بعث إليهم من يردّهم إلى الطاعة وأنظرهم ثلاثة أيام، فلما رجعوا قاتلهم وغير ذلك، وقد كان في قتال أهل الحرة كفاية، ولكن تجاوز الحد بإباحة المدينة ثلاثة أيام، فوقع بسبب ذلك شرّ عظيم كما قدمنا، وقد كان عبد الله بن عمر بن الخطاب وجماعات أهل بيت النبوة ممن لم ينقض العهد. ولا بايع أحدا بعد بيعته ليزيد. كما
قال الامام أحمد:
حدثنا إسماعيل بن علية حدثني صخر بن جويرية عن نافع. قال: لما خلع الناس يزيد بن معاوية جمع ابن عمر بنيه وأهله ثم تشهد ثم قال: أما بعد فانا بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني سمعت رسول الله ﷺ يقول. «إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة يقال هذه غدرة فلان، وإن من أعظم الغدر إلا أن يكون الإشراك بالله، أن يبايع رجل رجلا على بيع الله ورسوله ثم ينكث بيعته». فلا يخلعن أحد منكم يزيد ولا يسرفن أحد منكم في هذا الأمر، فيكون الفيصل بيني وبينه.