للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ * مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ * وَلَقَدِ اِخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ * وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ فقوله تعالى ﴿وَاُتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً﴾ أي ساكنا على هيئته لا تغيره عن هذه الصفة. قاله عبد الله بن عباس ومجاهد وعكرمة والربيع والضحاك وقتادة وكعب الأحبار وسماك بن حرب وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم * فلما تركه على هيئته وحالته وانتهى فرعون فرأى ما رأى وعاين ما عاين هاله هذا المنظر العظيم وتحقق ما كان يتحققه قبل ذلك من أن هذا من فعل رب العرش الكريم فأحجم ولم يتقدم وندم في نفسه على خروجه في طلبهم والحالة هذه حيث لا ينفعه الندم لكنه أظهر لجنوده تجلدا وعاملهم معاملة العدا وحملته النفس الكافرة والسجية الفاجرة على أن قال لمن استخفهم فأطاعوه وعلى باطله تابعوه انظروا كيف أنحسر البحر لي لأدرك عبيدي الآبقين من يدي الخارجين عن طاعتي وبلدي وجعل يورى في نفسه أن يذهب خلفهم ويرجو أن ينجو وهيهات ويقدم تارة ويحجم تارات. فذكروا أن جبريل تبدي في صورة فارس راكب على رمكة حايل فمر بين يدي فحل فرعون لعنه الله فحمحم اليها وأقبل عليها وأسرع جبريل بين يديه فاقتحم البحر واستبق الجواد وقد أجاد فبادر مسرعا هذا وفرعون لا يملك من نفسه ضرا ولا نفعا فلما رأته الجنود قد سلك البحر اقتحموا وراءه مسرعين فحصلوا في البحر أجمعين أكتعين أبصعين حتى هم أولهم بالخروج منه فعند ذلك أمر الله تعالى كليمه فيما أوحاه اليه أن يضرب البحر بعصاه فضربه فارتطم عليهم البحر كما كان فلم ينج منهم إنسان قال الله تعالى ﴿وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ أي في انجائه أولياءه فلم يغرق منهم أحد واغراقه أعداءه فلم يخلص منهم أحد آية عظيمة وبرهان قاطع على قدرته تعالى العظيمة وصدق رسوله فيما جاء به عن ربه من الشريعة الكريمة والمناهج المستقيمة وقال تعالى ﴿وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ﴾ يخبر تعالى عن كيفية غرق فرعون زعيم كفرة القبط وأنه لما جعلت الأمواج تخفضه تارة وترفعه أخرى وبنو إسرائيل ينظرون إليه وإلى جنوده ماذا أحل الله به وبهم من البأس العظيم والخطب الجسيم ليكون أقر لا عين بنى إسرائيل وأشفى لنفوسهم فلما عاين فرعون الهلكة وأحيط به وباشر سكرات الموت أناب حينئذ وتاب وآمن حين لا ينفع نفسا إيمانها كما قال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ﴾ وقال تعالى ﴿فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ﴾ وهكذا دعا

<<  <  ج: ص:  >  >>