إلى النعمان بن بشير فأمده النعمان بأهل حمص عليهم شرحبيل بن ذي الكلاع. وركب إليه زفر ابن الحارث الكلابي في أهل قنسرين. فكان الضحاك في ثلاثين ألفا، على ميمنته زياد بن عمرو العقيلي، وعلى ميسرته زكريا بن شمر الهلالي، فتصافوا وتقاتلوا بالمرج عشرين يوما، يلتقون بالمرج في كل يوم فيقتتلون قتالا شديدا، ثم أشار عبيد الله على مروان أن يدعوهم إلى الموادعة خديعة فان الحرب خدعة، وأنت وأصحابك على الحق، وهم على الباطل، فنودي في الناس بذلك، ثم غدر أصحاب مروان فمالوا يقتلونهم قتالا شديدا، وصبر الضحاك صبرا بليغا، فقتل الضحاك بن قيس في المعركة، قتله رجل يقال له زحمة بن عبد الله من بنى كلب، طعنه بحربة فأنفذه ولم يعرفه.
وصبر مروان وأصحابه صبرا شديدا حتى فر أولئك بين يديه، فنادى مروان: ألا لا تتبعوا مدبرا، ثم جيء برأس الضحاك، ويقال إن أول من بشره بقتله روح بن زنباع الجذامي، واستقر ملك الشام بيد مروان بن الحكم. وروى أنه بكى على نفسه يوم مرج راهط، فقال: أبعد ما كبرت وضعفت صرت إلى أن أقتل بالسيوف على الملك؟ قلت: ولم تطل مدته في الملك إلا تسعة أشهر على ما سنذكره.
وقد كان الضحاك بن قيس بن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان ابن محارب بن فهر بن مالك، أبو أنيس الفهري أحد الصحابة على الصحيح، وقد سمع من النبي ﷺ وروى عنه أحاديث عدة، وروى عنه جماعة من التابعين، وهو أخو فاطمة بنت قيس وكانت أكبر منه بعشر سنين، وكان أبو عبيدة بن الجراح عمه. حكاه ابن أبى حاتم. وزعم بعضهم أنه لا صحبة له، وقال الواقدي: أدرك النبي ﷺ وسمع منه قبل البلوغ. وفي رواية عن الواقدي أنه قال: ولد الضحاك قبل وفاة النبي ﷺ بسنتين. وقد شهد فتح دمشق وسكنها وله بها دار عند حجر الذهب مما يلي نهر بردا، وكان أميرا على أهل دمشق يوم صفين مع معاوية، ولما أخذ معاوية الكوفة استنابه بها في سنة أربع وخمسين. وقد روى البخاري في التاريخ أن الضحاك قرأ سورة ص في الصلاة فسجد فيها فلم يتابعه علقمة وأصحاب ابن مسعود في السجود. ثم استنابه معاوية عنده على دمشق فلم يزل عنده حتى مات معاوية وتولى ابنه يزيد، ثم ابن ابنه معاوية بن يزيد، ثم صار أمره إلى ما ذكرنا.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا عفان بن مسلم ثنا حماد بن سلمة أنبأنا على بن زيد عن الحسن أن الضحاك بن قيس كتب إلى الهيثم حين مات يزيد بن معاوية: السلام عليك أما بعد فانى سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم، فتنا كقطع الدخان، يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه، يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا، ويمسى مؤمنا ويصبح