المسيب بن نجية لسليمان: إنه لا ينفعك الكاره، ولا يقاتل معك إلا من أخرجته النية، وباع نفسه لله ﷿، فلا تنتظرن أحدا وامض لأمرك في جهاد عدوك واستعن بالله عليهم. فقام سليمان في أصحابه [وقال: يا أيها الناس! من كان إنما خرج لوجه الله وثواب الآخرة فذلك منا ونحن منه، ومن كان خروجه معنا للدنيا فليس منا ولا يصحبنا. فقال الباقون معه: ما للدنيا خرجنا، ولا لها طلبنا، فقيل له: أنسير إلى قتلة الحسين بالشام وقتلته عندنا بالكوفة كلهم مثل عمر بن سعد وغيره؟ فقال سليمان:
إن ابن زياد هو الّذي جهز الجيش إليه وفعل به ما فعل، فإذا فرغنا منه عدنا إلى أعدائه بالكوفة، ولو قاتلتوهم أولا، وهم أهل مصركم ما عدم الرجل منكم أن يرى رجلا قد قتل أباه قد قتل أخاه أو حميمه، فيقع التخاذل، فإذا فرغتم من الفاسق ابن زياد حصل لكم المراد. فقالوا: صدقت. فنادى فيهم:
سيروا على اسم الله تعالى، فساروا عشية الجمعة لخمس مضين من ربيع الأول] (١) وقال في خطبته: من كان خرج منكم للدنيا ذهبها وزبرجدها فليس معنا مما يطلب شيء، وإنما معنا سيوف على عواتقنا، ورماح في أكفنا، وزاد يكفينا حتى نلقى عدونا. فأجابوه إلى السمع والطاعة والحالة هذه، وقال لهم: عليكم بابن زياد الفاسق أولا، فليس له إلا السيف، وها هو قد أقبل من الشام قاصدا العراق. فصمم الناس معه على هذا الرأى، فلما أزمعوا على ذلك بعث عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد أمراء الكوفة من جهة ابن الزبير، إلى سليمان بن صرد يقولان له: إنا نحب أن تكون أيدينا واحدة على ابن زياد، وأنهم يريدون أن يبعثوا معهم جيشا ليقويهم على ما هم قد قصدوا له، وبعثوا بريدا بذلك ينتظرهم حتى يقدموا عليه، فتهيأ سليمان بن صرد لقدومهم عليه في رءوس الأمراء، وجلس في أبهته والجيوش محدقة به، وأقبل عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن طلحة في أشراف أهل الكوفة من غير قتلة الحسين، لئلا يطمعوا فيهم، وكان عمر بن سعد بن أبى وقاص في هذه الأيام كلها لا يبيت إلا في قصر الامارة عند عبد الله بن يزيد خوفا على نفسه، فلما اجتمع الأميران عند سليمان بن صرد قالا له وأشارا عليه أن لا يذهبوا حتى تكون أيديهما واحدة على قتال ابن زياد، ويجهزوا معهم جيشا، فان أهل الشام جمع كثير وجم غفير، وهم يحاجفون عن ابن زياد، فامتنع سليمان من قبول قولهما وقال: إنا خرجنا لأمر لا نرجع عنه ولا نتأخر فيه.
فانصرف الأميران راجعين إلى الكوفة، وانتظر سليمان بن صرد وأصحابه أصحابهم الذين كانوا قد واعدوهم من أهل البصرة وأهل المدائن فلم يقدموا عليهم ولا واحد منهم، فقام سليمان في أصحابه خطيبا وحرضهم على الذهاب لما خرجوا عليه، وقال: لو قد سمع إخوانكم بخروجكم للحقوكم سراعا. فخرج سليمان وأصحابه من النخيلة يوم الجمعة لخمس مضين من ربيع الأول سنة خمس وستين، فسار بهم