استطاع من أهلها، فدخلها وابتنى بها مسجدا يجتمع فيه إليه قومه، فجعل يدعو إلى المختار، ثم أتى مدينة الورق فعسكر عندها فبعث إليه الحارث بن عبد الله بن ربيعة القباع - وهو أمير البصرة قبل أن يعزل بمصعب - جيشا مع عباد بن الحصين أمير الشرطة، وقيس بن الهيثم. فقاتلوه وأخذوا منه المدينة وانهزم أصحابه، وكان قد قام بنصرتهم بنو عبد القيس، فبعث إليهم الجيش فبعثوا إليه فأرسل الأحنف بن قيس وعمرو بن عبد الرحمن المخزومي ليصلحا بين الناس، وساعدهما مالك بن مسمع، فانحجز الناس بعضهم عن بعض، ورجع إلى المختار في نفر يسير مغلولا مغلوبا مسلوبا، وأخبر المختار بما وقع من الصلح على يدي الأحنف وغيره من أولئك الأمراء، وطمع المختار فيهم وكاتبهم في أن يدخلوا معه فيما هو فيه من الأمر، وكان كتابه إلى الأحنف بن قيس: من المختار إلى الأحنف بن قيس ومن قبله من الأمراء: أفسلم أنتم أما بعد فويل لبني ربيعة من مضر، وأن الأحنف يورد قومه سقر، حيث لا يستطيع لهم صدر، وإني لا أملك لكم ما قد خط في القدر، وقد بلغني أنكم سميتموني الكذاب، وقد كذب الأنبياء من قبلي ولست بخير منهم.
وقال ابن جرير: حدثني أبو السائب سلم بن جنادة ثنا الحسن بن حماد عن حماد بن على عن مجالد عن الشعبي. قال: دخلت البصرة فقعدت إلى حلقة فيها الأحنف بن قيس، فقال بعض القوم: ممن أنت؟ فقلت: رجل من أهل الكوفة، فقال: أنتم موال لنا، قلت: وكيف؟ قال: أنقذناكم من أيدي عبيدكم من أصحاب المختار، قلت: أتدري ما قال شيخ من همدان فينا وفيكم؟ فقال الأحنف: وما قال؟ قلت: قال: -
أفخرتم ان قتلتم أعبدا … وهزمتم مرة آل عدل
فإذا فاخرتمونا فاذكروا … ما فعلنا بكم يوم الجمل
بين شيخ خاضب عثبونه … وفتى البيضاء وضاحا دقل
جاء يهدج في سابغة … فذبحناه ضحى ذبح الجمل
وعفونا فنسيتم عفونا … وكفرتم نعمة الله الأجل
وقتلتم بحسين منهم … بدلا من قومكم شر بدل
قال: فغضب الأحنف وقال: يا غلام هات الصحيفة، فأتى بصحيفة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم من المختار بن أبى عبيد إلى الأحنف بن قيس، أما بعد فويل لبني ربيعة من مضر فان الأحنف يورد قومه سقر حيث لا يقدرون على الصدر، وقد بلغني أنكم تكذبوني، فان كذبت فقد كذبت رسل من قبلي، ولست بخير منهم، ثم قال الأحنف: هذا منا أو منكم.