النسخ لا محالة فقال موسى يا رب إنهم لا يستطيعون أن يصعدوه وقد نهيتهم عن ذلك فأمره الله تعالى أن يذهب فيأتى معه بأخيه هارون وليكن الكهنة وهم العلماء والشعب وهم بقية بنى إسرائيل غير بعيد ففعل موسى وكلمه ربه ﷿ فأمره حينئذ بالعشر كلمات.
وعندهم أن بنى إسرائيل سمعوا كلام الله ولكن لم يفهموا حتى فهّمهم موسى وجعلوا يقولون لموسى بلغنا أنت عن الرب ﷿ فانا نخاف أن نموت فبلغهم عنه فقال هذه العشر الكلمات وهي الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له. والنهى عن الحلف بالله كاذبا. والأمر بالمحافظة على السبت. ومعناه تفرغ يوم من الأسبوع للعبادة * وهذا حاصل بيوم الجمعة الّذي نسخ الله به السبت. أكرم أباك وأمك ليطول عمرك في الأرض الّذي يعطيك الله ربك. لا تقتل. لا تزن لا تسرق. لا تشهد على صاحبك شهادة زور لا تمد عينك الى بيت صاحبك. ولا تشته امرأة صاحبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئا من الّذي لصاحبك. ومعناه النهى عن الحسد. وقد قال كثير من علماء السلف وغيرهم مضمون هذه العشر الكلمات في آيتين من القرآن وهما قوله تعالى في سورة الانعام ﴿قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ. وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ. وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ﴾ الآية وذكروا بعد العشر الكلمات وصايا كثيرة وأحكاما متفرقة عزيزة كانت فزالت وعملت بها حينا من الدهر * ثم طرأ عليها عصيان من المكلفين بها ثم عمدوا اليها فبدلوها وحرفوها وأولوها. ثم بعد ذلك كله سلبوها فصارت منسوخة مبدلة بعد ما كانت مشروعة مكملة فلله الأمر من قبل ومن بعد وهو الّذي يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد الإله الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين. وقد قال الله تعالى ﴿يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى * كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى * وَإِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اِهْتَدى﴾ يذكر تعالى منته وإحسانه الى بنى إسرائيل بما أنجاهم من أعدائهم وخلصهم من الضيق والحرج وأنه وعدهم صحبة نبيهم الى جانب الطور الأيمن أي منهم لينزل عليه أحكاما عظيمة فيها مصلحة لهم في دنياهم وأخراهم وأنه تعالى أنزل عليهم في حال شدتهم وضرورتهم في سفرهم في الأرض التي ليس فيها زرع ولا ضرع منا من السماء يصبحون فيجدونه خلال بيوتهم فيأخذون منه قدر حاجتهم في ذلك اليوم الى مثله من الغد ومن ادخر منه لأكثر من ذلك فسد. ومن أخذ منه قليلا - كفاه أو كثيرا لم يفضل عنه فيصنعون منه مثل الخبز وهو