للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخور العجل الحقيقي. ويقال إنه استحال عجلا جسدا أي لحما ودما حيا يخور. قاله قتادة وغيره وقيل بل كانت الريح إذا دخلت من دبره خرجت من فمه فيخور كما تخور البقرة فيرقصون حوله ويفرحون ﴿فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ﴾ أي فنسي موسى ربه عندنا وذهب يتطلبه وهو هاهنا تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا وتقدست أسماؤه وصفاته وتضاعفت آلاؤه وعداته. قال الله تعالى مبينا بطلان ما ذهبوا اليه وما عولوا عليه من إلهية هذا الّذي قصاراه أن يكون حيوانا بهيما وشيطانا رجيما ﴿أَفَلا يَرَوْنَ أَلاّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً﴾ وقال ﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اِتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ﴾ فذكر أن هذا الحيوان لا يتكلم ولا يرد جوابا ولا يملك ضرا ولا نفعا ولا يهدى الى رشد اتخذوه وهم ظالمون لأنفسهم عالمون في أنفسهم بطلان ما هم عليه من الجهل والضلال ﴿وَلَمّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ﴾ أي ندموا على ما صنعوا ﴿وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ﴾. ولما رجع موسى اليهم ورأى ما هم عليه من عبادة العجل ومعه الألواح المتضمنة التوراة ألقاها فيقال إنه كسرها. وهكذا هو عند أهل الكتاب وإن الله أبدله غيرها وليس في اللفظ القرآني ما يدل على ذلك إلا أنه ألقاها حين عاين ما عاين. وعند أهل الكتاب أنهما كانا لوحين وظاهر القرآن أنها ألواح متعددة ولم يتأثر بمجرد الخبر من الله تعالى عن عبادة العجل فأمره بمعاينة ذلك. ولهذا جاء

في الحديث الّذي رواه الامام أحمد وابن حبان عن ابن عباس قال قال رسول الله (ليس الخبر كالمعاينة) ثم أقبل عليهم فعنفهم ووبخهم وهجنهم في صنيعهم هذا القبيح فاعتذروا اليه بما ليس بصحيح قالوا إنا ﴿حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السّامِرِيُّ﴾ تحرجوا من تملك حلى آل فرعون وهم أهل حرب وقد أمرهم الله بأخذه وأباحه لهم ولم يتحرجوا بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم من عبادة العجل الجسد الّذي له خوار مع الواحد الأحد الفرد الصمد القهار. ثم أقبل على أخيه هارون قائلا له ﴿يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلاّ تَتَّبِعَنِ﴾ أي هلا لما رأيت ما صنعوا اتبعتنى فاعلمتنى بما فعلوا فقال ﴿إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ أي تركتهم وجئتني وأنت قد استخلفتني فيهم ﴿قالَ رَبِّ اِغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ﴾ وقد كان هارون نهاهم عن هذا الصنيع الفظيع أشد النهى وزجرهم عنه أتم الزجر قال الله تعالى ﴿وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ﴾ أي إنما قدر الله أمر هذا العجل وجعله يخور فتنة واختبارا لكم ﴿وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ﴾ أي لا هذا ﴿فَاتَّبِعُونِي﴾ أي فيما أقول لكم ﴿وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى﴾ يشهد الله لهارون ﴿وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً﴾ أنه نهاهم وزجرهم عن ذلك فلم يطيعوه ولم يتبعوه ثم أقبل موسى على السامري ﴿قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ﴾ أي ما حملك على ما صنعت ﴿قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ﴾ أي رأيت جبرائيل وهو راكب

<<  <  ج: ص:  >  >>