للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ لَهُ: يَا سَارِقُ يَا خَائِنُ، تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَضْرِبَ بِهَذَا النَّعْلِ وَجْهَكَ. فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ مَضَى الْحَجَّاجُ إِلَى الْحَجِّ، ثُمَّ رَجَعَ فَعَادَ إِلَى الشَّامِ، ثُمَّ جَاءَ نَائِبًا عَلَى الْحِجَازِ. فَلَمَّا قَتَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَرَّ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ نَائِبًا عَلَيْهَا، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ إِذَا مَجْلِسُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَقَصَدَهُ الْحَجَّاجُ فَخَشِيَ النَّاسُ عَلَى سَعِيدٍ مِنْهُ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ صَاحِبُ الْكَلِمَاتِ؟ فَضَرَبَ سَعِيدٌ صَدْرَهُ بِيَدِهِ وَقَالَ: نَعَمْ! قَالَ: فَجَزَاكَ اللَّهُ مِنْ مُعَلِّمٍ وَمُؤَدِّبٍ خَيْرًا، مَا صَلَّيْتُ بَعْدَكَ صَلَاةً إِلَّا وَأَنَا أَذْكُرُ قَوْلَكَ. ثُمَّ قَامَ وَمَضَى. وَرَوَى الرِّيَاشِيُّ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ وَأَبِي زَيْدٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ الْعَلَاءِ- أَخِي أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ- قَالَ: لَمَّا قَتَلَ الْحَجَّاجُ ابن الزبير ارتجت مكة بالبكاء، فأمر الناس فَجُمِعُوا فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ! بَلَغَنِي إِكْبَارُكُمْ قَتْلَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، أَلَا وَإِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ مِنْ خِيَارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، حَتَّى رَغِبَ فِي الْخِلَافَةِ وَنَازَعَ فِيهَا أَهْلَهَا، فَنَزَعَ طَاعَةَ اللَّهِ وَاسْتَكَنَّ بِحَرَمِ اللَّهِ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ مَانِعَ الْعُصَاةِ لَمَنَعَتْ آدَمَ حُرْمَةُ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَتَهُ، وَأَبَاحَ لَهُ كَرَامَتَهُ، وَأَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ، فَلَمَّا أَخْطَأَ أَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ بِخَطِيئَتِهِ، وَآدَمُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَالْجَنَّةُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنَ الْكَعْبَةِ، اذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ ثنا عون عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ أَنَّ الْحَجَّاجَ دَخَلَ على أسماء بنت أبى بكر بعد ما قَتَلَ ابْنَهَا عَبْدَ اللَّهِ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَكِ أَلْحَدَ فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَإِنَّ اللَّهَ أَذَاقَهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، وَفَعَلَ. فَقَالَتْ: كَذَبْتَ، كَانَ بَرًّا بِوَالِدَيْهِ، صَوَّامًا قَوَّامًا، وَاللَّهِ لَقَدْ أَخْبَرَنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ثَقِيفٍ كَذَّابَانِ الْآخِرُ مِنْهُمَا شَرٌّ مِنَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مُبِيرٌ» .

وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى عَنْ وَهْبِ بْنِ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عون عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ. قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الْحَجَّاجَ دَخَلَ عَلَى أَسْمَاءَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ الْأَحْنَفِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ. قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُثْلَةِ. وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يَخْرُجُ مِنْ ثَقِيفٍ رَجُلَانِ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ» . قَالَتْ فَقُلْتُ لِلْحَجَّاجِ: أَمَّا الْكَذَّابُ فَقَدْ رَأَيْنَاهُ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَأَنْتَ هُوَ يا حجاج. وقال عبيد بْنُ حُمَيْدٍ: أَنْبَأَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَ الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَقُولُ لِلْحَجَّاجِ حِينَ دَخَلَ عَلَيْهَا يُعَزِّيهَا فِي ابْنِهَا: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَخْرُجُ مِنْ ثَقِيفٍ رَجُلَانِ مُبِيرٌ وَكَذَّابٌ» . فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَابْنُ أَبِي عُبَيْدٍ- تَعْنِي الْمُخْتَارَ وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَأَنْتَ. وَتَقَدَّمَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَوْرَدْنَاهُ عِنْدَ مَقْتَلِ ابْنِهَا عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ أَسْمَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِيُّ ثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَتْنَا أم عراب عَنِ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا عَقِيلَةُ عَنْ سَلَّامَةَ بِنْتِ الْحُرِّ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «في ثقيف كذاب «مبير» . تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو يَعْلَى. وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أحمد عن وكيع عن أم عراب- واسمها

<<  <  ج: ص:  >  >>