أعطني فانى قتلت الحسين، فقال: وكيف قتلته؟ قال: دسرته بالرمح دسرا، وهبرته بالسيف هبرا، وما أشركت معى في قتله أحدا. فقال: اذهب فو الله لا تجتمع أنت وهو في موضع واحد، ولم يعطه شيئا. وقال الهيثم بن عدي: جاء رجل إلى الحجاج فقال: إن أخى خرج مع ابن الأشعث فضرب على اسمى في الديوان ومنعت العطاء وقد هدمت داري، فقال الحجاج، أما سمعت قول الشاعر:
حنانيك من تجنى عليك وقد … تعدى الصحاح مبارك الجرب
ولرب مأخوذ بذنب قريبه … ونجا المقارف صاحب الذنب؟
فقال الرجل: أيها الأمير! إني سمعت الله يقول غير هذا، وقول الله أصدق من هذا، قال:
وما قال؟ قال ﴿قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، * قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنّا إِذاً لَظالِمُونَ﴾ قال: يا غلام أعد اسمه في الديوان وابن داره، وأعطه عطاءه، ومر منادى ينادى صدق الله وكذب الشاعر. وقال الهيثم بن عدي عن ابن عباس: كتب عبد الملك إلى الحجاج أن ابعث إلى برأس أسلم بن عبد البكري، لما بلغني عنه، فأحضره الحجاج فقال: أيها الأمير أنت الشاهد وأمير المؤمنين الغائب، وقال الله تعالى ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ﴾ وما بلغه باطل، وإني أعول أربعة وعشرين امرأة ما لهن كاسب غيري وهن بالباب، فأمر الحجاج بإحضارهن، فلما حضرن جعلت هذه تقول: أنا خالته، وهذه أنا عمته، وهذه أنا أخته، وهذه أنا زوجته، وهذه أنا بنته، وتقدمت إليه جارية فوق الثمان ودون العشرة، فقال لها الحجاج: من أنت؟ فقالت: أنا ابنته، ثم قالت: أصلح الله الأمير، وجثت على ركبتيها وقالت: -
أحجاج لم تشهد مقام بناته … وعماته يندبنه الليل أجمعا
أحجاج كم تقتل به إن قتلته … ثمانا وعشرا واثنتين وأربعا
أحجاج من هذا يقوم مقامه … علينا فمهلا إن تزدنا تضعضعا
أحجاج إما أن تجود بنعمة … علينا وإما أن تقتلنا معا
قال: فبكى الحجاج وقال: والله لا أعنت عليكن ولا زدتكن تضعضعا، ثم كتب إلى عبد الملك بما قال الرجل، وبما قالت ابنته هذه، فكتب عبد الملك إلى الحجاج يأمره بإطلاقه وحسن صلته وبالإحسان إلى هذه الجارية وتفقدها في كل وقت وقيل إن الحجاج خطب يوما فقال: أيها الناس الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذاب الله. فقام إليه رجل فقال له: ويحك يا حجاج ما أصفق وجهك وأقل حياءك، تفعل ما تفعل وتقول مثل هذا الكلام؟ خبث وضل سعيك، فقال للحرس خذوه، فلما فرغ من خطبته قال له: ما الّذي جرأك على؟ فقال: ويحك يا حجاج، أنت