صغيرة. وقد تكلمنا على ذلك فيما سلف وبيناه. فبنى لهم هذا الملك الّذي ينتسب إليه الطائفة الملكية من النصارى، كنائس كبيرة في دمشق وفي غيرها، حتى يقال إنه بنى اثنتي عشرة ألف كنيسة، وأوقف عليها أوقافا دارّة، من ذلك كنيسة بيت لحم، وقمامة في القدس، بنتها أم هيلانة الغندقانية، وغير ذلك.
والمقصود أنهم - يعنى النصارى - حولوا بناء هذا المعبد الّذي هو بدمشق معظما عند اليونان فجعلوه كنيسة يوحنا، وبنوا بدمشق كنائس كثيرة غيرها مستأنفة، واستمر النصارى على دينهم بدمشق وغيرها نحوا من ثلاثمائة سنة، حتى بعث الله محمدا ﷺ، فكان من شأنه ما تقدم بعضه في كتاب السيرة من هذا الكتاب، وقد بعث إلى ملك الروم في زمانه - وهو قيصر ذلك الوقت - واسمه هرقل يدعوه إلى الله ﷿، وكان من مراجعته ومخاطبته إلى أبى سفيان ما تقدم، ثم بعث أمراءه الثلاثة، زيد بن حارثة، وجعفر، وابن رواحة، إلى البلقاء من تخوم الشام، فبعث الروم إليهم جيشا كبيرا فقتلوا هؤلاء الأمراء وجماعة ممن معهم من الجيش، فعزم النبي ﷺ على قتال الروم ودخول الشام عام تبوك، ثم رجع عام ذلك لشدة الحر، وضعف الحال، وضيقة على الناس.
ثم لما توفى بعث الصديق الجيوش إلى الشام بكمالها، ومن ذلك مدينة دمشق بأعمالها، وقد بسطنا القول في ذلك عند ذكر فتحها، فلما استقرت اليد الإسلامية عليها وأنزل الله رحمته فيها، وساق بره إليها، وكتب أمير الحرب أبو عبيدة إذ ذاك، وقيل خالد بن الوليد، لأهل دمشق كتاب أمان، أقروا أيدي النصارى على أربع عشرة كنيسة، وأخذوا منهم نصف هذه الكنيسة التي كانوا يسمونها كنيسة مريحنا، بحكم أن البلد فتحه خالد من الباب الشرقي بالسيف، وأخذت النصارى الأمان من أبى عبيدة، وكان على باب الجابية الصلح، فاختلفوا ثم اتفقوا على أن جعلوا نصف البلد صلحا ونصفه عنوة، فأخذوا نصف هذه الكنيسة الشرقي فجعله أبو عبيدة مسجدا يصلى فيه المسلمون، وكان أول من صلى في هذا المسجد أبو عبيدة ثم الصحابة بعده في البقعة الشرقية منه، التي يقال لها محراب الصحابة. ولكن لم يكن الجدار مفتوحا بمحراب محنى، وإنما كانوا يصلون عنده هذه البقعة المباركة، والظاهر أن الوليد هو الّذي فتق المحاريب في الجدار القبلي [قلت: هذه المحاريب متجددة ليست من فتق الوليد، وإنما فتق الوليد محرابا واحدا، إن كان قد فعل، ولعله لم يفعل شيئا منها، فكان يصلى فيه الخليفة، وبقيتها فتقت قريبا، لكل إمام محراب، شافعيّ وحنفي ومالكي وحنبلي، وهؤلاء إنما حدثوا بعد الوليد بزمان](١) وقد كره كثير من السلف مثل هذه المحاريب، وجعلوه من البدع المحدثة، وكان المسلمون والنصارى يدخلون هذا المعبد من باب واحد،