واعتم بعمامة خضراء وجلس على فراش أخضر وقد بسط ما حوله بالخضرة، ثم نظر في المرآة فأعجب؟ حسنه، وشمر عن ذراعيه وقال: أنا الخليفة الشاب، وقيل إنه كان ينظر في المرآة من فرقه إلى قدمه ويقول: أنا الملك الشاب، وفي رواية أنه كان ينظر فيها ويقول: كان محمد نبيا، وكان أبو بكر صديقا وكان عمر فاروقا، وكان عثمان حبيا، وكان على شجاعا، وكان معاوية حليما، وكان يزيد صبورا، وكان عبد الملك سائسا، وكان الوليد جبارا، وأنا الملك الشاب. قالوا: فما حال عليه بعد ذلك شهر، وفي رواية جمعة، حتى مات. قالوا: ولما حم شرع يتوضأ فدعا بجارية فصبت عليه ماء الوضوء ثم أنشدته:
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى … غير أن لا بقاء للإنسان
أنت خلو من العيوب ومما … يكره الناس غير أنك فان
قالوا: فصاح بها وقال: عزتنى في نفسي، ثم أمر خاله الوليد بن العباس القعقاع العنسيّ (١) أن يصب عليه وقال:
قرب وضوءك يا وليد فإنما … دنياك هذي بلغة ومتاع
فاعمل لنفسك في حياتك صالحا … فالدهر فيه فرقة وجماع
ويروى أن الجارية لما جاءته بالطست جعلت تضطرب من الحمى، فقال: أين فلانة؟ فقالت:
محمومة، قال: فلانة؟ قالت: محمومة، وكان بمرج دابق من أرض قنسرين، فأمر خاله فوضأه ثم خرج يصلى بالناس فأخذته بحة في الخطبة، ثم نزل وقد أصابته الحمى فمات في الجمعة المقبلة، ويقال: إنه أصابه ذات الجنب فمات بها ﵀.
وكان قد أقسم أنه لا يبرح بمرج دابق حتى يرجع إليه الخبر بفتح القسطنطينية، أو يموت قبل ذلك، فمات قبل ذلك ﵀ وأكرم مثواه، قالوا: وجعل يلهج في مرضه ويقول:
إن بنىّ صغار … أفلح من كان له كبار
فيقول له عمر بن عبد العزيز: قد أفلح المؤمنون يا أمير المؤمنين، ثم يقول:
إن بنىّ صبية صيفيون … قد أفلح من كان له ربعيون
ويروى أن هذا آخر ما تكلم به، والصحيح أن آخر ما تكلم به أن قال: أسألك منقلبا كريما، ثم قضى. وروى ابن جرير عن رجاء بن حيوة - وكان وزير صدق لبني أمية - قال: استشارني سليمان بن عبد الملك وهو مريض أن يولى له ابنا صغيرا لم يبلغ الحلم، فقلت: إن مما يحفظ الخليفة في قبره أن يولى على المسلمين الرجل الصالح، ثم شاورنى في ولاية ابنه داود، فقلت: إنه غائب عنك بالقسطنطينية ولا تدري أحي هو أو ميت، فقال: من ترى؟ فقلت: رأيك يا أمير المؤمنين،
(١) في المصرية العبسيّ.