للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ- وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا كَانَ بَدْءُ إِنَابَتِكَ؟ قَالَ: أَرَدْتُ ضَرْبَ غُلَامٍ لِي فَقَالَ لِي: اذْكُرْ لَيْلَةً صَبِيحَتُهَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ [١] وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: لَمَّا عُزِلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ الْمَدِينَةِ- يَعْنِي فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ- وَخَرَجَ مِنْهَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا وَبَكَى وَقَالَ لِمَوْلَاهُ: يَا مُزَاحِمُ، نَخْشَى أَنْ نَكُونَ مِمَّنْ نَفَتِ الْمَدِينَةُ- يَعْنِي أَنَّ الْمَدِينَةَ تَنْفِي خَبَثَهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ- وينصع طِيبَهَا. قُلْتُ: خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ فَنَزَلَ بِمَكَانٍ قَرِيبٍ مِنْهَا يُقَالُ لَهُ السُّوَيْدَاءُ حِينًا [٢] ، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ عَلَى بَنِي عَمِّهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ. قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ: خَرَجْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ وَمَا مِنْ رَجُلٍ أَعْلَمَ مِنِّي، فَلَمَّا قَدِمْتُ الشَّامَ نَسِيتُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ ثَنَا حَمَّادٌ بْنُ زَيْدٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:

سَهِرْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: كُلُّ مَا حَدَّثْتَ فَقَدْ سَمِعْتُهُ وَلَكِنْ حَفِظْتَ وَنَسِيتُ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: بَعَثَ إِلَيَّ الْوَلِيدُ ذَاتَ سَاعَةٍ مِنَ الظَّهِيرَةِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عابس، فأشار إلى أن اجلس، فجلست فَقَالَ:

مَا تَقُولُ فِيمَنْ يَسُبُّ الْخُلَفَاءَ أَيُقْتَلُ؟ فَسَكَتُّ، ثُمَّ عَادَ فَسَكَتُّ، ثُمَّ عَادَ فَقُلْتُ: أَقَتَلَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟

قَالَ: لَا، وَلَكِنْ سَبَّ، فَقُلْتُ: يُنَكَّلُ بِهِ، فَغَضِبَ وَانْصَرَفَ إِلَى أَهْلِهِ، وَقَالَ لِي ابْنُ الرَّيَّانِ السَّيَّافُ:

اذْهَبْ، قَالَ: فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَمَا تَهُبُّ رِيحٌ إِلَّا وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ رَسُولٌ يَرُدُّنِي إِلَيْهِ. وقال عثمان بن زبر: أَقْبَلَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَمَعَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى مُعَسْكَرِ سُلَيْمَانَ، وَفِيهِ تِلْكَ الْخُيُولُ وَالْجِمَالُ وَالْبِغَالُ وَالْأَثْقَالُ وَالرِّجَالُ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: مَا تَقُولُ يَا عُمَرُ فِي هَذَا؟ فَقَالَ: أَرَى دُنْيَا يَأْكُلُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَأَنْتَ الْمَسْئُولُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَلَمَّا اقْتَرَبُوا مِنَ الْمُعَسْكَرِ إِذَا غُرَابٌ قَدْ أَخَذَ لُقْمَةً فِي فِيهِ مِنْ فُسْطَاطِ سُلَيْمَانَ وَهُوَ طَائِرٌ بِهَا، وَنَعَبَ نَعْبَةً، فَقَالَ لَهُ سليمان: ما هَذَا يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ:

لَا أَدْرِي، فَقَالَ: ما ظنك أنه يقول؟ قلت: كَأَنَّهُ يَقُولُ: مَنْ أَيْنَ جَاءَتْ وَأَيْنَ يُذْهَبُ بِهَا؟ فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: مَا أَعْجَبَكَ؟ فَقَالَ عمر: اعجب ممن عَرَفَ اللَّهَ فَعَصَاهُ، وَمَنْ عَرَفَ الشَّيْطَانَ فَأَطَاعَهُ، ومن عرف الدنيا فركن إليها.

وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمَّا وَقَفَ سُلَيْمَانُ وَعُمَرُ بِعَرَفَةَ ورأى سليمان كَثْرَةِ النَّاسِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَؤُلَاءِ رَعِيَّتُكَ


[١] بالأصول «يوما صبيحتها يعنى يوم القيامة» وصححناه من سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي صفحة ١٤٩
[٢] السويداء أرض كان يملكها عمر بن عبد العزيز، واستنبط فيها من عطائه عين ماء، وله فيها قصر مبنى. ولما تنازل لبيت المال عن جميع ما ورثه عن آبائه أبقى (السويداء) و (خيبر) لأنه اطمأنّ إلى أنهما حلال خالص ليس فيه أية شبهة. وكان هو خليفة يأكل من غلّتها وينفق ما يزيد عن الضرورة

<<  <  ج: ص:  >  >>