للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال قتيبة بن سعيد: حدثنا كثير بن هشام حدثنا جعفر بن مروان عن وهب بن منبه. عن الطريق ولم تستقم (١) لسائقها، وإن فتر سائقها حزنت، ولم تتبع قائدها: فإذا اجتمعا استقامت طوعا أو كرها، ولا تستطيع الدين إلا بالطوع والكره، وإن كان كلما كره الإنسان شيئا من دينه تركه، أوشك أن لا يبقى معه من دينه شيء. وقال وهب: إن من حكمة الله ﷿ أنه خلق الخلق مختلفا خلقه ومقاديره، فمنه خلق يدوم ما دامت الدنيا، لا تنقصه الأيام ولا تهرمه وتبليه ويموت، ومنه خلق لا يطعم ولا يرزق، ومنه خلق يطعم ويرزق، خلقه الله وخلق معه رزقه، ثم خلق الله من ذلك خلقا في البر وخلقا في البحر، ثم جعل رزق ما خلق في البحر وفي البحر، ولا ينفع رزق دواب البر دواب البحر، ولا رزق دواب البحر دواب البر، لو خرج ما في البحر إلى البر هلك، ولو دخل ما في البر إلى البحر هلك، ففي ذلك ممن خلق الله في البر والبحر عبرة لمن أهمته قسمة الأرزاق والمعيشة فليعتبر ابن آدم فيما قسم الله من الأرزاق، فإنه لا يكون فيها شيء إلا كما قسمه سبحانه بين خلقه، لا يستطيع أحد أن يغيرها ولا أن يخلطها، كما لا نستطيع دواب البر أن تعيش بأرزاق دواب البحر، ولا دواب البحر بأرزاق دواب البر، ولو اضطرت اليه هلكت كلها، فإذا استقرت كل دابة منها فيما رزقت أصلحها ذلك وأحياها، وكذلك ابن آدم إذا استقر وقنع بما قسم الله له من رزقه أحياه ذلك وأصلحه، فإذا تعاطى رزق غيره نقصه ذلك وضره وفضحه.

وقال لعطاء الخراساني: كان العلماء قبلكم قد استغنوا بعلمهم عن دنيا غيرهم، فكانوا لا يلتفتون إلى أهل الدنيا، ولا إلى ما في أيديهم، فكان أهل الدنيا يبذلون إليهم دنياهم رغبة في علمهم، فأصبح أهل العلم فينا اليوم يبذلون لأهل الدنيا علمهم رغبة في الدنيا، فأصبح أهل الدنيا قد زهدوا في علمهم لما رأوا من سوء موضعه عندهم، فإياك يا عطاء وأبواب السلطان فان عند أبوابهم فتنا كمبارك الإبل، لا تصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينك مثله.

وقال إبراهيم الجنيد: حدثنا عبد الله بن أبى بكر المقدمي حدثنا جعفر بن سليمان حدثنا عمر بن عبد الرحمن الصنعاني قال: سمعت وهب بن منبه يقول: لقي عالم عالما هو فوقه في العلم، فقال: كيف صلاتك؟ فقال: ما أحسب أحدا سمع بذكر الجنة والنار يأتى عليه ساعة لا يصلى فيها، قال: فكيف ذكرك للموت؟ قال: ما أرفع قدما ولا أضع أخرى إلا رأيت أنى ميت. فقال: فكيف صلاتك أنت أيها الرجل؟ فقال: إني لأصلى وأبكى حتى ينبت العشب من دموعي، فقال العالم: أما إنك إن تضحك وأنت معترف بخطيئتك خير لك من أن تبكى وأنت مدل بعلمك، فان المدل لا يرفع له عمل فقال: أوصني فانى أراك حكيما، فقال ازهد في الدنيا ولا تنازع أهلها فيها، وكن فيها كالنخلة، إن


(١) كذا بالأصل وفيه نقص أو تحريف فليحرر.

<<  <  ج: ص:  >  >>