للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأحد منذ كان هذا الأمر. ثم نظر إلى قبيصة وأنا وهو قائمان بين يديه، فكأنه أومأ إليه أن افرض له، فقال: قد فرض إليك أمير المؤمنين، فقلت: إني والله ما خرجت من عند أهلي إلا وهم في شدة وحاجة ما يعلمها إلا الله، وقد عمت الحاجة أهل البلد. قال: قد وصلك أمير المؤمنين. قال قلت:

يا أمير المؤمنين وخادم يخدمنا، فان أهلي ليس لهم خادم إلا أختى، فإنها الآن تعجن وتخبز وتطحن قال: قد أخدمك أمير المؤمنين.

وروى الأوزاعي عن الزهري أنه روى أن رسول الله قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن». فقلت للزهري: ما هذا؟ فقال: من الله العلم، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التسليم، أمرّوا أحاديث رسول الله كما جاءت. وعن ابن أخى ابن شهاب عن عمه قال: كان عمر بن الخطاب يأمر برواية قصيدة لبيد بن ربيعة التي يقول فيها:

إن تقوى ربنا خير نفل … وباذن الله ريثي والعجل

أحمد الله فلا ند له … بيديه الخير ما شاء فعل

من هداه سبل الخير اهتدى … ناعم البال ومن شاء أضل

وقال الزهري: دخلت على عبيد الله بن عبد الله بن عتبة منزله فإذا هو مغتاظ ينفخ، فقلت:

ما لي أراك هكذا؟ فقال: دخلت على أميركم آنفا - يعنى عمر بن عبد العزيز - ومعه عبد الله بن عمرو بن عثمان فسلمت عليهما فلم يردا على السلام، فقلت:

لا تعجبا أن تؤتيا فتكلما … فما حشى الأقوام شرا من الكبر

ومسا تراب الأرض منه خلقتما … وفيها المعاد والمصير إلى الحشر

فقلت: يرحمك الله!! مثلك في فقهك وفضلك وسنك تقول الشعر؟! فقال: إن المصدور إذا نفث برأ. وجاء شيخ إلى الزهري فقال: حدثني، فقال: إنك لا تعرف اللغة، فقال الشيخ: لعلى أعرفها، فقال: فما تقول في قول الشاعر:

صريع ندامى يرفع الشرب رأسه … وقد مات منه كل عضو ومفصل؟

ما المفصل؟ قال: اللسان، قال: عد على أحدثك. وكان الزهري يتمثل كثيرا بهذا:

ذهب الشباب فلا يعود جمانا … وكأن ما قد كان لم يك كانا

فطويت كفى يا جمان على العصا … وكفى جمان بطيها حدثانا

وكان نقش خاتم الزهري: محمد يسأل الله العافية. وقيل لابن أخى الزهري: هل كان عمك يتطيب؟ قال: كنت أشم ريح المسك من سوط دابة الزهري. وقال: استكثروا من شيء لا تمسه النار، قيل: وما هو؟ قال: المعروف. وامتدحه رجل مرة فأعطاه قميصه، فقيل له: أتعطي على كلام

<<  <  ج: ص:  >  >>