للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدخلوا من سائر أبواب البلد، كل أهل محلة من الباب الّذي يليهم، فكثرت الجيوش حول يزيد ابن الوليد بن عبد الملك في نصرته، وكلهم قد بايعه بالخلافة. وقد قال فيه بعض الشعراء في ذلك: -

فجاءتهم أنصارهم حين أصبحوا … سكاسكها أهل البيوت الصنادد

وكلب فجاءوهم بخيل وعدة … من البيض والأبدان ثم السواعد

فأكرم بها أحياء أنصار سنّة … هم منعوا حرماتها كل جاحد

وجاءتهم شيبان والأزد شرعا … وعبس ولخم بين حام وذائد

وغسان والحيّان قيس وتغلب … واحجم عنها كل وان وزاهد

فما أصبحوا إلا وهم أهل ملكها … قد استوثقوا من كل عات ومارد

وبعث يزيد بن الوليد عبد الرحمن بن مصاد في مائتي فارس إلى قطنا ليأتوه بعبد الملك بن محمد ابن الحجاج نائب دمشق وله الأمان، وكان قد تحصن هناك، فدخلوه عليه فوجدوا عنده خرجين في كل واحد منهما ثلاثون ألف دينار، فلما مروا بالمزة قال أصحاب ابن مصاد: خذ هذا المال فهو خير من يزيد بن الوليد، فقال: لا والله لا تحدث العرب أنى أول من خان، ثم أتوا به يزيد بن الوليد فاستخدم من ذلك المال جندا للقتال قريبا من ألفى فارس، وبعث به مع أخيه عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك خلف الوليد بن يزيد ليأتوا به، وركب بعض موالي الوليد فرسا سابقا فساق به حتى انتهى إلى مولاه من الليل، وقد نفق الفرس من السوق، فأخبره الخبر فلم يصدقه وأمر بضربه، ثم تواترت عليه الأخبار فأشار عليه بعض أصحابه أن يتحول من منزله ذاك إلى حمص فإنها حصينة. وقال الأبرش سعيد بن الوليد الكلبي: انزل على قومي بتدمر، فأبى أن يقبل شيئا من ذلك، بل ركب بمن معه، وهو في مائتي فارس، وقصد أصحاب يزيد فالتقوا بثقلة في أثناء الطريق فأخذوه، وجاء الوليد فنزل حصن البخراء الّذي كان للنعمان بن بشير، وجاءه رسول العباس بن الوليد إني آتيك - وكان من أنصاره - فأمر الوليد بإبراز سريره فجلس عليه وقال. أعلى يتوثب الرجال وأنا أثب على الأسد وأتحصّر الأفاعي؟ وقدم عبد العزيز بن الوليد بمن معه، وإنما كان قد خلص معه من الألفي فارس ثمانمائة فارس، فتصافوا فاقتتلوا قتالا شديدا، فقتل من أصحاب العباس جماعة حملت رءوسهم إلى الوليد، وقد كان جاء العباس بن الوليد لنصرة الوليد بن يزيد، فبعث إليه أخوه عبد العزيز فجيء به قهرا حتى بايع لأخيه يزيد بن الوليد، واجتمعوا على حرب الوليد بن يزيد، فلما رأى الناس اجتماعهم فروا من الوليد إليهم، وبقي الوليد في ذل وقل من الناس، فلجأ إلى الحصن فجاءوا إليه وأحاطوا به من كل جانب يحاصرونه، فدنا الوليد من باب الحصن فنادى ليكلمني رجل شريف، فكلمه يزيد بن عنبسة السكسكي، فقال الوليد: ألم أدفع الموت عنكم؟

<<  <  ج: ص:  >  >>