وهي عشرة عشرة، ورده إياهم إلى ما كانوا عليه في زمن هشام، ويقال إن أول من لقبه بذلك مروان بن محمد، بويع له بالخلافة بعد مقتل الوليد بن يزيد، وذلك ليلة الجمعة لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة من هذه السنة - حتى سنة ست وعشرين ومائة - وكان فيه صلاح وورع قبل ذلك، فأول ما عمل انتقاصه من أرزاق الجند ما كان الوليد زادهم، وذلك في كل سنة عشرة عشرة، فسمى الناقص لذلك، ويقال في المثل الأشج والناقص أعدلا خلفاء بنى مروان - يعنى عمر بن عبد العزيز وهذا - ولكن لم تطل أيامه، فإنه توفى من آخر هذه السنة، واضطربت عليه الأمور، وانتشرت الفتن واختلفت كلمة بنى مروان فنهض سليمان بن هشام، وكان معتقلا في سجن الوليد بعمان فاستحوز على أموالها وحواصلها، وأقبل إلى دمشق فجعل يلعن الوليد ويعيبه ويرميه بالكفر، فأكرمه يزيد ورد عليه أمواله التي كان أخذها من الوليد، وتزوج يزيد أخت سليمان، وهي أم هشام بنت هشام، ونهض أهل حمص إلى دار العباس بن الوليد التي عندهم فهدموها، وحبسوا أهله وبنيه، وهرب هو من حمص فلحق بيزيد بن الوليد إلى دمشق، وأظهر أهل حمص الأخذ بدم الوليد بن يزيد، وأغلقوا أبواب البلد، وأقاموا النوائح والبواكي على الوليد، وكاتبوا الأجناد في طلب الأخذ بالثأر، فأجابهم إلى ذلك طائفة كبيرة منهم، على أن يكون الحكم بن الوليد بن يزيد الّذي أخذ له العهد هو الخليفة، وخلعوا نائبهم، وهو مروان بن عبد الله بن عبد الملك بن مروان، ثم قتلوه وقتلوا ابنه وأمّروا عليهم معاوية بن يزيد بن حصين، فلما انتهى خبرهم إلى يزيد بن الوليد كتب إليهم كتابا مع يعقوب بن هانئ، ومضمون الكتاب أنه يدعو إلى أن يكون الأمر شورى، فقال عمرو ابن قيس: فإذا كان الأمر كذلك فقد رضينا بولي عهدنا الحكم بن الوليد، فأخذ يعقوب بلحيته وقال: ويحك! لو كان هذا الّذي تدعو إليه يتيما تحت حجرك لم يحل لك أن تدفع إليه ما له، فكيف أمر الأمة، فوثب أهل حمص على رسول يزيد بن الوليد فطردوهم عنهم وأخرجوهم من بين أظهرهم.
وقال لهم أبو محمد السفياني: لو قدمت دمشق لم يختلف على منهم اثنان، فركبوا معه وساروا نحو دمشق وقد أمروا عليهم السفياني، فتلقاهم سليمان بن هشام في جيش كثيف قد جهزهم معه يزيد، وجهز أيضا عبد العزيز بن الوليد في ثلاثة آلاف يكونون عند ثنية العقاب، وجهز هشام بن مصاد المزي في ألف وخمسمائة ليكونوا على عقبة السلمية، فخرج أهل حمص فساروا وتركوا جيش سليمان ابن هشام ذات اليسار وتعدوه، فلما سمع بهم سليمان ساق في طلبهم فلحقهم عند السليمانية فجعلوا الزيتون عن أيمانهم والجبل عن شمائلهم والحيات من خلفهم، ولم يبق تخلص إليهم إلا من جهة واحدة، فاقتتلوا هنالك في قبالة الحر قتالا شديدا، فقتل طائفة كثيرة من الفريقين، فبينما هم كذلك إذ جاء عبد العزيز بن الوليد بمن معه فحمل على أهل حمص فاخترق جيشهم حتى ركب التل الّذي