للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا الّذي ذكره محمد بن إسحاق إن كان إنما يقوله من كتب أهل الكتاب ففي كتابهم الّذي يسمونه التوراة أن الوحي لم يزل ينزل على موسى في كل حين يحتاجون اليه الى آخر مدة موسى كما هو المعلوم من سياق كتابهم عند تابوت الشهادة في قبة الزمان. وقد ذكروا في السفر الثالث أن الله أمر موسى وهارون أن يعدّ ابني إسرائيل على اسباطهم وان يجعلا على كل سبط من الاثني عشر أميرا وهو النقيب وما ذاك الا ليتأهّبوا للقتال قتال الجبارين عند الخروج من التيه وكان هذا عند اقتراب انقضاء الأربعين سنة. ولهذا قال بعضهم إنما فقأ موسى عين ملك الموت لانه لم يعرفه في صورته تلك ولأنه كان قد أمر بأمر كان يرتجى وقوعه في زمانه ولم يكن في قدر الله أن يقع ذلك في زمانه بل في زمان فتاه يوشع بن نون كما أن رسول الله كان قد أراد غزو الروم بالشام فوصل إلى تبوك ثم رجع عامه ذلك في سنة تسع. ثم حج في سنة عشر ثم رجع فجهز. جيش أسامة إلى الشام طليعة بين يديه ثم كان على عزم الخروج اليهم امتثالا لقوله تعالى ﴿قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ﴾ ولما جهز رسول الله جيش أسامة توفى واسامة مخيم بالجرف فنفذه صديقه وخليفته أبو بكر الصديق ثم لما لم أشعث جزيرة العرب وما كان دهى من أمر أهلها وعاد الحق إلى نصابه جهز الجيوش يمنة ويسرة إلى العراق أصحاب كسرى ملك الفرس والى الشام أصحاب قيصر ملك الروم ففتح الله لهم ومكن لهم وبهم وملكهم نواصي أعدائهم كما سنورده عليك في موضعه إذا انتهينا اليه مفصلا إن شاء الله بعونه وتوفيقه وحسن إرشاده * وهكذا موسى كان الله قد أمره أن يجند بنى إسرائيل وأن يجعل عليهم نقباء كما قال تعالى ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اِثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً﴾ وقال الله ﴿إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ﴾ يقول لهم لئن قمتم بما أوجبت عليكم ولم تنكلوا عن القتال كما نكلتم أول مرة لأجعلن ثواب هذه مكفرا لما وقع عليكم من عقاب تلك كما قال تعالى لمن تخلف من الاعراب عن رسول الله في غزوة الحديبيّة «قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً» وهكذا قال تعالى لبني إسرائيل ﴿فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ﴾ ثم ذمهم تعالى على سوء صنيعهم ونقضهم مواثيقهم كما ذم من بعدهم من النصارى على اختلافهم في دينهم وأديانهم. وقد ذكرنا ذلك في التفسير مستقصى ولله الحمد.

والمقصود أن الله تعالى أمر موسى أن يكتب أسماء المقاتلة من بنى إسرائيل ممن يحمل

<<  <  ج: ص:  >  >>