على المشهور في صفر منها بالحمية من بلاد البلقاء، وكانت خلافته ثنتين وعشرين سنة إلا أياما، وكان أسمر اللون موفر اللمة خفيف اللحية، رحب الجبهة، أقنى الأنف، أعين كأن عينيه لسانان ناطقان، يخالطه أبهة الملك، وتقبله القلوب، وتتبعه العيون، يعرف الشرف في مواضعه، والعنف في صورته، والليث في مشيته، هكذا وصفه بعض من رآه. وقد صح عن ابن عباس أنه قال:
«منا السفاح والمنصور» وفي رواية «حتى نسلمها إلى عيسى بن مريم». وقد روى مرفوعا ولا يصح ولا وقفه أيضا. وذكر الخطيب أن أمه سلامة قالت: رأيت حين حملت به كأنه خرج منى أسد فزأر واقفا على يديه، فما بقي أسد حتى جاء فسجد له. وقد رأى المنصور في صغره مناما غريبا كان يقول: ينبغي أن يكتب في ألواح الذهب، ويعلق في أعناق الصبيان. قال: رأيت كأنى في المسجد الحرام وإذا رسول الله ﷺ في الكعبة والناس مجتمعون حولها، فخرج من عنده مناد:
أين عبد الله؟ فقام أخى السفاح يتخطى الرجال حتى جاء باب الكعبة فأخذ بيده فأدخله إياها، فما لبث أن خرج ومعه لواء أسود. ثم نودي أين عبد الله؟ فقمت أنا وعمى عبد الله بن على نستبق، فسبقته إلى باب الكعبة فدخلتها، فإذا رسول الله ﷺ وأبو بكر وعمر وبلال، فعقد لي لواء وأوصاني بأمته وعممني عمامة كورها ثلاثة وعشرون كورا، وقال:«خذها إليك أبا الخلفاء إلى يوم القيامة».
وقد اتفق سجن المنصور في أيام بنى أمية فاجتمع به نوبخت المنجم وتوسم فيه الرئاسة فقال له:
ممن تكون؟ فقال: من بنى العباس، فلما عرف منه نسبه وكنيته قال: أنت الخليفة الّذي تلى الأرض. فقال له: ويحك ماذا تقول؟ فقال: هو ما أقول لك، فضع لي خطك في هذه الرقعة أن تعطيني شيئا إذا وليت. فكتب له، فلما أولى أكرمه المنصور وأعطاه وأسلم نوبخت على يديه، وكان قبل ذلك مجوسيا. ثم كان من أخص أصحاب المنصور. وقد حج المنصور بالناس سنة أربعين ومائة، وأحرم من الحيرة، وفي سنة أربع وأربعين، وفي سنة سبع وأربعين. وفي سنة ثنتين وخمسين، ثم في هذه السنة التي مات فيه. وبنى بغداد والرصافة والرافقة وقصره الخلد.
قال الربيع بن يونس الحاجب: سمعت المنصور يقول: الخلفاء أربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلى. والملوك أربعة معاوية وعبد الملك بن مروان وهشام بن عبد الملك، وأنا. وقال مالك:
قال لي المنصور: من أفضل الناس بعد رسول الله ﷺ؟ فقلت: أبو بكر. وعمر. فقال: أصبت وذلك رأى أمير المؤمنين. وعن إسماعيل البهري قال سمعت المنصور على منبر عرفة يوم عرفة يقول: أيها الناس؟ إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه ورشده، وخازنه على ماله أقسمه بإرادته وأعطيه باذنه، وقد جعلني الله عليه قفلا فان شاء أن يفتحنى لأعطياتكم وقسم أرزاقكم فتحني، وإذا شاء أن يقفلنى عليه قفلنى. فارغبوا إلى الله أيها الناس وسلوه في هذا اليوم الشريف الّذي