مُقَابَلَتِهِ إِيَّاهَا مِنَ الْمَشْرِقِ وَذَلِكَ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنَ الشَّهْرِ ثُمَّ يَشْرَعُ فِي النَّقْصِ لِاقْتِرَابِهِ إِلَيْهَا مِنَ الْجِهَةِ الْأُخْرَى إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ فَيَسْتَتِرُ حَتَّى يَعُودَ كَمَا بَدَأَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي. فَبِهِ تُعْرَفُ الشُّهُورُ وَبِالشَّمْسِ تعرف الليالي والأيام وبذلك تعرف السنين وَالْأَعْوَامُ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ١٠: ٥ وَقَالَ تَعَالَى وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا ١٧: ١٢ وقال تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ٢: ١٨٩ وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ عَلَى هَذَا كُلِّهِ فِي التَّفْسِيرِ. فَالْكَوَاكِبُ الَّتِي فِي السَّمَاءِ مِنْهَا سَيَّارَاتٌ وهي المتحيرة في اصطلاح علماء التفسير وَهُوَ عِلْمٌ غَالِبُهُ صَحِيحٌ بِخِلَافِ عِلْمِ الْأَحْكَامِ فَإِنَّ غَالِبَهُ بَاطِلٌ وَدَعْوَى مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَهِيَ سَبْعَةٌ. الْقَمَرُ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا وَعُطَارِدُ فِي الثَّانِيَةِ وَالزُّهْرَةُ فِي الثَّالِثَةِ وَالشَّمْسُ فِي الرَّابِعَةِ وَالْمِرِّيخُ فِي الْخَامِسَةِ وَالْمُشْتَرَى فِي السَّادِسَةِ وَزُحَلُ فِي السَّابِعَةِ. وَبَقِيَّةُ الْكَوَاكِبِ يُسَمُّونَهَا الثَّوَابِتَ وَهِيَ عِنْدَهُمْ فِي الْفَلَكِ الثَّامِنِ وَهُوَ الْكُرْسِيُّ فِي اصْطِلَاحِ كَثِيرٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَقَالَ آخَرُونَ بَلِ الْكَوَاكِبُ كُلُّهَا فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنَ بَعْضِهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ ٦٧: ٥ وَبِقَوْلِهِ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ٤١: ١٢ فَخَصَّ سَمَاءَ الدُّنْيَا مِنْ بَيْنِهِنَّ بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ فَإِنْ دَلَّ هَذَا عَلَى كَوْنِهَا مُرَصَّعَةً فِيهَا فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَا مَانِعَ مِمَّا قَالَهُ الْآخَرُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعِنْدَهُمْ أَنَّ الْأَفْلَاكَ السَّبْعَةَ بَلِ الثَّمَانِيَةَ تَدُورُ بِمَا فِيهَا مِنَ الْكَوَاكِبِ الثَّوَابِتِ والسيارات تدور عَلَى خِلَافِ فَلَكِهِ مِنَ الْمَغْرِبِ إِلَى الْمَشْرِقِ. فَالْقَمَرُ يَقْطَعُ فَلَكَهُ فِي شَهْرٍ وَالشَّمْسُ تَقْطَعُ فَلَكَهَا وَهُوَ الرَّابِعُ فِي سَنَةٍ. فَإِذَا كَانَ السَّيْرَانِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ وَحَرَكَاتُهُمَا مُتَقَارِبَةٌ كَانَ قَدْرُ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ بِقَدْرِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثِنْتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً وَزُحَلُ يَقْطَعُ فَلَكَهُ وَهُوَ السَّابِعُ فِي ثَلَاثِينَ سَنَةً فَعَلَى هَذَا يَكُونُ بِقَدْرِ السماء الدنيا ثلاثمائة وَسِتِّينَ مَرَّةً وَقَدْ تَكَلَّمُوا عَلَى مَقَادِيرِ أَجْرَامِ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ وَسِيَرِهَا وَحَرَكَاتِهَا وَتَوَسَّعُوا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ حَتَّى تَعَدَّوْا إِلَى عِلْمِ الْأَحْكَامِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْحَوَادِثِ الْأَرْضِيَّةِ وَمِمَّا لَا عِلْمَ لِكَثِيرٍ مِنْهُمْ بِهِ.
وَقَدْ كَانَ الْيُونَانِيُّونَ الَّذِينَ كَانُوا يَسْكُنُونَ الشَّامَ قَبْلَ زَمَنِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِدُهُورٍ لَهُمْ فِي هَذَا كَلَامٌ كَثِيرٌ يَطُولُ بَسْطُهُ، وَهُمُ الَّذِينَ بَنَوْا مَدِينَةَ دِمَشْقَ وَجَعَلُوا لَهَا أَبْوَابًا سَبْعَةً وَجَعَلُوا عَلَى رَأْسِ كُلِّ بَابٍ هَيْكَلًا عَلَى صِفَةِ الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ. يَعْبُدُونَ كُلَّ وَاحِدٍ فِي هَيْكَلِهِ، وَيَدْعُونَهُ بِدُعَاءٍ يَأْثَرُهُ عَنْهُمْ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ التَّوَارِيخِ وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرُهُ صَاحِبُ السِّرِّ الْمَكْتُومِ في مخاطبة الشمس والقمر والنجوم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute