وعف عن الفاحشة ولم يفش ذلك فمات بسبب ذلك حصل له أجر كثير. فان صح هذا كان ذلك له نوع شهادة والله أعلم.
وروى الخطيب أيضا أن شعبة لقي أبا نواس فقال له: حدثنا من طرفك، فقال مرتجلا: حدثنا الخفاف عن وائل وخالد الحذاء عن جابر ومسعر عن بعض أصحابه يرفعه الشيخ إلى عامر قالوا جميعا:
أيما طفلة علقها ذو خلق طاهر فواصلته ثم دامت له على وصال الحافظ الذاكر، كانت له الجنة مفتوحة يرتع في مرتعها الزاهر، وأي معشوق جفا عاشقا بعد وصال دائم ناصر! ففي عذاب الله بعدا له نعم وسحقا دائم ذاخر. فقال له شعبة: إنك لجميل الأخلاق، وإني لأرجو لك. وأنشد أبو نواس أيضا
يا ساحر المقلتين والجيد … وقاتلي منك بالمواعيد
توعدني الوصل ثم تخلفني … ويلاى من خلفك موعودى
حدثني الأزرق المحدث عن … شهر وعوف عن ابن مسعود
ما يخلف الوعد غير كافرة … وكافر في الجحيم مصفود
فبلغ ذلك إسحاق بن يوسف الأزرق فقال: كذب عدو الله على وعلى التابعين وعلى أصحاب محمد ﷺ. وعن سليم بن منصور بن عمار قال: رأيت أبا نواس في مجلس أبى يبكى بكاء شديدا فقلت: إني لأرجو أن لا يعذبك الله بعد هذا البكاء فأنشأ يقول:
لم ابك في مجلس منصور … شوقا إلى الجنة والحور
ولا من القبر وأهواله … ولا من النفخة في الصور
ولا من النار وأغلالها … ولا من الخذلان والجور
لكن بكائي لبكا شادن … تقيه نفسي كل محذور
ثم قال: إنما بكيت لبكاء هذا الأمرد الّذي إلى جانب أبيك - وكان صبيا حسن الصورة يسمع الوعظ فيبكي خوفا من الله ﷿ قال: أبو نواس: دعاني يوما بعض الحاكة وألح على ليضيفنى في منزله، ولم يزل بى حتى أجبته فسار إلى منزله وسرت معه فإذا منزل لا بأس به، وقد احتفل الحائك في الطعام وجمع جمعا من الحياك، فأكلنا وشربنا ثم قال: يا سيدي أشتهى أن تقول في جاريتي شيئا من الشعر - وكان مغرما بجارية له - قال فقلت أرنيها حتى أنظم على شكلها وحسنها، فكشف عنها فإذا هي أسمج خلق الله وأوحشهم، سوداء شمطاء ديدانية يسيل لعابها على صدرها. فقلت لسيدها: ما اسمها؟ فقال تسنيم، فأنشأت أقول:
أسهر ليلى حب تسنيم … جارية في الحسن كالبوم
كأنما نكهتها كامخ … أو حزمة من حزم الثوم