قال: وقال أبو سليمان: أفضل الأعمال خلاف هوى النفس. وقال لكل شيء علم وعلم الخذلان ترك البكاء من خشية الله. وقال: لكل شيء صدأ وصدأ نور القلب شبع البطن. وقال كل ما شغلك عن الله من أهل أو مال أو ولد فهو شؤم. وقال: كنت ليلة في المحراب أدعو ويداي ممدودتان فغلبني البرد فضممت إحداهما وبقيت الأخرى مبسوطة أدعو بها، وغلبتني عيني فنمت فهتف بى هاتف: يا أبا سليمان قد وضعنا في هذه ما أصابها، ولو كانت الأخرى لوضعنا فيها. قال: فآليت على نفسي ألا أدعو إلا ويداي خارجتان، حرا كان أو بردا. وقال: نمت ليلة عن وردى فإذا أنا بحوراء تقول لي: تنام وأنا أربى لك في الخدور منذ خمسمائة عام؟ وقال أحمد بن أبى الحواري سمعت أبا سليمان يقول: إن في الجنة أنهارا على شاطئيها خيام فيهن الحور، ينشئ الله خلق الحوراء إنشاء، فإذا تكامل خلقها ضربت الملائكة عليهنّ الخيام، الواحدة منهن جالسة على كرسي من ذهب ميل في ميل، قد خرجت عجيزتها من جانب الكرسي، فيجيء أهل الجنة من قصورهم يتنزهون على شاطئ تلك الأنهار ما شاءوا ثم يخلوا كل رجل بواحدة منهن. وقال أبو سليمان: كيف يكون في الدنيا حال من يريد افتضاض الأبكار على شاطئ تلك الأنهار في الجنة.
وقال: سمعت أبا سليمان يقول: ربما مكثت خمس ليال لا أقرأ بعد الفاتحة بآية واحدة أتفكر في معانيها، ولربما جاءت الآية من القرآن فيطير العقل، فسبحان من يرده بعد. وسمعته يقول: أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله ﷿، ومفتاح الدنيا الشبع، ومفتاح الآخرة الجوع. وقال لي يوما: يا أحمد جوع قليل وعرى قليل وفقر قليل وصبر قليل وقد انقضت عنك أيام الدنيا. وقال أحمد: اشتهى أبو سليمان يوما رغيفا حارا بملح فجئته به فعض منه عضة ثم طرحه وأقبل يبكى ويقول: يا رب عجلت لي شهوتي، لقد أطلت جهدي وشقوتي وأنا تائب؟ فلم يذق الملح حتى لحق بالله ﷿. قال: وسمعته يقول: ما رضيت عن نفسي طرفة عين، ولو أن أهل الأرض اجتمعوا على أن يضعونى كاتضاعى عند نفسي ما قدروا. وسمعته يقول: من رأى لنفسه قيمة لم يذق حلاوة الخدمة. وسمعته يقول: من حسن ظنه بالله ثم لم يخفه ويطعه فهو مخدوع. وقال: ينبغي للخوف أن يكون على العبد أغلب الرجاء، فإذا غلب الرجاء على الخوف فسد القلب. وقال لي يوما: هل فوق الصبر منزلة؟ فقلت: نعم - يعنى الرضا - فصرخ صرخة غشي عليه ثم أفاق فقال: إذا كان الصابرون يوفون أجرهم بغير حساب، فما ظنك بالأخرى وهم الذين رضى عنهم. وقال: ما يسرني أن لي الدنيا وما فيها من أولها إلى آخرها أنفقه في وجوه البر، وإني أغفل عن الله طرفة عين. وقال: قال زاهد لزاهد: أوصني، فقال: لا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك، فقال: زدني. فقال: ما عندي زيادة. وقال من أحسن في نهاره كوفئ في ليله، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره، ومن صدق في