للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نصر للواثق: وحدثني سفيان بحديث يرفعه «إن قلب ابن آدم بإصبعين من أصابع الله يقلبه كيف شاء»

وكان النبي يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك». فقال له إسحاق بن إبراهيم: ويحك، انظر ما تقول. فقال: أنت أمرتنى بذلك. فأشفق إسحاق من ذلك وقال: أنا أمرتك؟ قال: نعم، أنت أمرتنى أن أنصح له. فقال الواثق لمن حوله: ما تقولون في هذا الرجل؟ فأكثروا القول فيه. فقال عبد الرحمن بن إسحاق - وكان قاضيا على الجانب الغربي فعزل وكان موادا لأحمد بن نصر قبل ذلك - يا أمير المؤمنين هو حلال الدم. وقال أبو عبد الله الأرمني صاحب أحمد بن أبى دؤاد: اسقني دمه يا أمير المؤمنين. فقال الواثق: لا بد أن يأتى ما تريد. وقال ابن أبى دؤاد: هو كافر يستتاب لعل به عاهة أو نقص عقل. فقال الواثق: إذا رأيتموني قمت إليه فلا يقومن أحد معى، فانى أحتسب خطاى. ثم نهض إليه بالصمصامة - وقد كانت سيفا لعمرو بن معديكرب الزبيدي أهديت لموسى الهادي في أيام خلافته وكانت صفيحة مسحورة في أسفلها مسمورة بمسامير - فلما انتهى إليه ضربه بها على عاتقه وهو مربوط بحبل قد أوقف على نطع، ثم ضربه أخرى على رأسه ثم طعنه بالصمصامة في بطنه فسقط صريعا على النطع ميتا، فانا لله وإنا إليه راجعون.

وعفا عنه. ثم انتضى سيما الدمشقيّ سيفه فضرب عنقه وحرز رأسه وحمل معترضا حتى أتى به الحظيرة التي فيها بابك الخرمى فصلب فيها، وفي رجليه زوج قيود وعليه سراويل وقميص، وحمل رأسه إلى بغداد فنصب في الجانب الشرقي أياما، وفي الغربي أياما، وعنده الحرس في الليل والنهار، وفي أذنه رقعة مكتوب فيها: هذا رأس الكافر المشرك الضال أحمد بن نصر الخزاعي، ممن قتل على يدي عبد الله هارون الامام الواثق بالله أمير المؤمنين بعد أن أقام عليه الحجة في خلق القرآن، ونفى التشبيه وعرض عليه التوبة ومكنه من الرجوع إلى الحق فأبى إلا المعاندة والتصريح، فالحمد لله الّذي عجله إلى ناره وأليم عقابه بالكفر، فاستحل بذلك أمير المؤمنين دمه ولعنه.

ثم أمر الواثق بتتبع رءوس أصحابه فأخذ منهم نحوا من تسع وعشرين رجلا فأودعوا في السجون وسموا الظلمة، ومنعوا أن يزورهم أحد وقيدوا بالحديد، ولم يجر عليهم شيء من الأرزاق التي كانت تجرى على المحبوسين، وهذا ظلم عظيم.

وقد كان أحمد بن نصر هذا من أكابر العلماء العاملين القائمين بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وسمع الحديث من حماد بن زيد، وسفيان بن عيينة، وهاشم بن بشير، وكانت عنده مصنفاته كلها، وسمع من الامام مالك بن أنس أحاديث جيدة، ولم يحدث بكثير من حديثه، وحدث عنه أحمد بن إبراهيم الدورقي، وأخوه يعقوب بن إبراهيم ويحيى بن معين، وذكره يوما فترحم عليه وقال:

قد ختم الله له بالشهادة، وكان لا يحدث ويقول إني لست أهلا لذلك. وأحسن يحيى بن معين الثناء

<<  <  ج: ص:  >  >>