للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقصود أن سليمان فهم ما خاطبت به تلك النملة لامتها من الرأى السديد والأمر الحميد وتبسم من ذلك على وجه الاستبشار والفرح والسرور بما أطلعه الله عليه دون غيره وليس كما يقوله بعض الجهلة من أن الدواب كانت تنطق قبل سليمان وتخاطب الناس حتى أخذ عليهم سليمان بن داود العهد وألجمها فلم تتكلم مع الناس بعد ذلك فان هذا لا يقوله الا الذين لا يعلمون ولو كان هذا هكذا لم يكن لسليمان في فهم لغاتها مزية على غيره إذ قد كان الناس كلهم يفهمون ذلك ولو كان قد أخذ عليها العهد أن لا تتكلم مع غيره وكان هو يفهمها لم يكن في هذا أيضا فائدة يعول عليها ولهذا قال ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي﴾ أي ألهمنى وأرشدنى ﴿أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصّالِحِينَ﴾ فطلب من الله أن يقيضه للشكر على ما أنعم به عليه وعلى ما خصه به من المزية على غيره وان يبسر عليه العمل الصالح وان يحشره إذا توفاه مع عباده الصالحين وقد استجاب الله تعالى له * والمراد بوالديه داود وأمه وكانت من العابدات الصالحات كما

قال سنيد بن داود عن يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر عن النبي قال قالت أم سليمان بن داود يا بنى لا تكثر النوم بالليل فان كثرة النوم بالليل تدع العبد فقيرا يوم القيامة. رواه ابن ماجة عن أربعة من مشايخه عنه به نحوه. (١) وقال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن سليمان ابن داود خرج هو وأصحابه يستسقون فرأى نملة قائمة رافعة احدى قوائمها تستسقى فقال لأصحابه ارجعوا فقد سقيتم ان هذه النملة استسقت فاستجيب لها.

قال ابن عساكر وقد روى مرفوعا ولم يذكر فيه سليمان ثم ساقه من طريق محمد بن عزيز عن سلامة بن روح بن خالد عن عقيل عن ابن شهاب حدثني أبو سلمة عن أبى هريرة أنه سمع رسول الله يقول خرج نبي من الأنبياء بالناس يستسقون الله فإذا هم بنملة رافعة بعض قوائمها الى السماء فقال النبي ارجعوا فقد استجيب لكم من أجل هذه النملة وقال السدي أصاب الناس قحط على عهد سليمان فأمر الناس فخرجوا فإذا بنملة قائمة على رجليها باسطة يديها وهي تقول «اللهمّ انا خلق من خلقك ولا غناء بنا عن فضلك» قال فصب الله عليهم المطر. قال تعالى ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ اِمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ * أَلاّ يَسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ * اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ * اِذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ﴾.


(١) من هنا لغاية قوله فصب الله عليهم المطر لم يوجد بالنسختين الموجودتين بالمكتبة المصرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>