للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ يذكر تعالى أن الملائكة بشرت مريم باصطفاء الله لها من بين سائر نساء عالمي زمانها بأن اختارها لإيجاد ولد منها من غير أب وبشرت بان يكون نبيا شريفا ﴿يُكَلِّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ﴾ أي في صغره يدعوهم الى عبادة الله وحده لا شريك له وكذلك في حال كهوليته فدل على أنه يبلغ الكهولة ويدعو الى الله فيها وأمرت بكثرة العبادة والقنوت والسجود والركوع لتكون أهلا لهذه الكرامة ولتقوم بشكر هذه النعمة فيقال إنها كانت تقوم في الصلاة حتى تفطرت قدماها ورحمها ورحم أمها وأباها فقول الملائكة ﴿يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اِصْطَفاكِ﴾ أي اختارك واجتباك ﴿وَطَهَّرَكِ﴾ أي من الأخلاق الرذيلة وأعطاك الصفات الجميلة ﴿وَاِصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ﴾. يحتمل أن يكون المراد عالمي زمانها كقوله لموسى انى اصطفيتك على الناس وكقوله عن بنى إسرائيل ﴿وَلَقَدِ اِخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ﴾ ومعلوم أن إبراهيم أفضل من موسى وان محمدا أفضل منهما وكذلك هذه الأمة أفضل من سائر الأمم قبلها وأكثر عددا وأفضل علما وازكى عملا من بنى إسرائيل وغيرهم. ويحتمل أن يكون قوله ﴿وَاِصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ﴾ محفوظ العموم فتكون أفضل نساء الدنيا ممن كان قبلها ووجد بعدها لأنها إن كانت نبية على قول من يقول بنبوتها ونبوة سارة أم إسحاق ونبوة أم موسى محتجا بكلام الملائكة والوحي الى أم موسى كما يزعم ذلك ابن حزم وغيره فلا يمتنع على هذا أن يكون مريم أفضل من سارة وأم موسى لعموم قوله ﴿وَاِصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ﴾ إذ لم يعارضه غيره والله أعلم * وأما قول الجمهور كما قد حكاه أبو الحسن الأشعري وغيره عن أهل السنة والجماعة من أن النبوة مختصة بالرجال وليس في النساء نبية فيكون أعلى مقامات مريم كما قال الله تعالى ﴿مَا الْمَسِيحُ اِبْنُ مَرْيَمَ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾ فعلى هذا لا يمتنع أن تكون أفضل الصديقات المشهورات ممن كان قبلها وممن يكون بعدها والله أعلم.

وقد جاء ذكرها مقرونا مع آسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وأرضاهن.

وقد

روى الامام احمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي من طرق عديدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن جعفر عن على بن أبى طالب قال قال رسول الله خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد.

وقال الامام احمد حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن قتادة عن انس قال قال رسول الله (حسبك من نساء العالمين بأربع مريم بنت عمران وآسية

<<  <  ج: ص:  >  >>