فقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر انبأنا ابو الحسن بن الفرا وابو غالب وأبو عبد الله ابنا البناء قالوا أنبأنا أبو جعفر بن المسلمة انبأنا أبو طاهر المخلص حدثنا احمد بن سليمان حدثنا الزبير هو بن بكار حدثنا محمد بن الحسن عن عبد العزيز بن محمد عن موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ سيدة نساء أهل الجنة مريم بنت عمران ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية امرأة فرعون فان كان هذا اللفظ محفوظا بثم التي للترتيب فهو مبين لأحد الاحتمالين اللذين دل عليهما الاستثناء وتقدم على ما تقدم من الألفاظ التي وردت بواو العطف التي لا تقتضي الترتيب ولا تنفيه والله أعلم.
وقد روى هذا الحديث أبو حاتم الرازيّ عن داود الجعفري عن عبد العزيز بن محمد وهو الدراوَرْديّ عن إبراهيم بن عقبة عن كريب عن ابن عباس مرفوعا فذكره بواو العطف لا بثم الترتيبية فخالفه اسنادا ومتنا فالله اعلم. فاما
الحديث الّذي رواه ابن مردويه من حديث شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال قال رسول الله ﷺ كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا ثلاث مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام. وهكذا
الحديث الّذي رواه الجماعة الا أبا داود من طرق عن شعبة عن عمرو بن مرة عن مرة الهمدانيّ عن أبى موسى الأشعري قال قال رسول الله ﷺ كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام. فإنه حديث صحيح كما ترى اتفق الشيخان على إخراجه ولفظه يقتضي حصر الكمال في النساء في مريم وآسية ولعل المراد بذلك في زمانهما فان كلا منهما كفلت نبيا في حال صغره فآسية كفلت موسى الكليم ومريم كفلت ولدها عبد الله ورسوله فلا ينفى كمال غيرهما في هذه الأمة كخديجة وفاطمة فخديجة خدمت رسول الله ﷺ قبل البعثة خمسة عشر سنة وبعدها أزيد من عشر سنين وكانت له وزير صدق بنفسها ومالها ﵂ وأرضاها وأما فاطمة بنت رسول الله ﷺ فإنها خصت بمزيد فضيلة على أخواتها لأنها أصيبت برسول الله ﷺ وبقية أخواتها متن في حيات النبي ﷺ وأما عائشة فإنها كانت أحب أزواج رسول الله ﷺ اليه ولم يتزوج بكرا غيرها ولا يعرف في سائر النساء في هذه الأمة بل ولا في غيرها أعلم منها ولا أفهم وقد غار الله لها حين قال لها أهل الافك ما قالوا فانزل براءتها من فوق سبع سماوات وقد عمرت بعد رسول الله ﷺ قريبا من خمسين سنة تبلغ عنه القرآن والسنة وتفتي المسلمين وتصلح بين المختلفين وهي أشرف أمهات المؤمنين حتى خديجة بنت خويلد أم البنات والبنين في قول طائفة من العلماء السابقين واللاحقين والأحسن الوقف فيهما ﵄ وما ذاك الا لأن
قوله ﷺ وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام يحتمل أن يكون عاما بالنسبة الى المذكورات وغيرهن ويحتمل أن يكون عاما بالنسبة الى ما عدي المذكورات والله أعلم