للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ فعيسى هو خاتم أنبياء بنى إسرائيل وقد قام فيهم خطيبا فبشرهم بخاتم الأنبياء الآتي بعده ونوه باسمه وذكر لهم صفته ليعرفوه ويتابعوه إذا شاهدوه اقامة للحجة عليهم وإحسانا من الله اليهم كما قال تعالى ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاِتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ قال محمد بن إسحاق حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله انهم قالوا يا رسول الله أخبرنا عن نفسك قال دعوة أبى إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمى حين حملت بى كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام. وقد روى عن العرباض بن سارية وأبى امامة عن النبي نحو هذا وفيه دعوة أبى إبراهيم وبشرى عيسى وذلك ان إبراهيم لما بنى الكعبة قال ﴿رَبَّنا وَاِبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ﴾ الآية ولما انتهت النبوة في بنى إسرائيل الى عيسى قام فيهم خطيبا فأخبرهم أن النبوة قد انقطعت عنهم وانها بعده في النبي العربيّ الأمي خاتم الأنبياء على الإطلاق احمد وهو محمد ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم الّذي هو من سلالة إسماعيل بن إبراهيم الخليل قال الله تعالى ﴿فَلَمّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ يحتمل عود الضمير الى عيسى ويحتمل عوده الى محمد ثم حرض تعالى عباده المؤمنين على نصرة الإسلام واهله ونصرة نبيه ومؤازرته ومعاونته على اقامة الدين ونشر الدعوة فقال ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ﴾ أي من يساعدني في الدعوة الى الله ﴿قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ﴾ وكان ذلك في قرية يقال لها الناصرة فسموا بذلك النصارى قال الله تعالى ﴿فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ﴾ يعنى لما دعا عيسى بنى إسرائيل وغيرهم الى الله تعالى منهم من آمن ومنهم من كفر وكان ممن آمن به أهل انطاكية بكمالهم فيما ذكره غير واحد من أهل السير والتواريخ والتفسير بعث اليهم رسلا ثلاثة أحدهم شمعون الصفا فآمنوا واستجابوا وليس هؤلاء هم المذكورون في سورة يس لما تقدم تقريره في قصة أصحاب القرية وكفر آخرون من بنى إسرائيل وهم جمهور اليهود فايد الله من آمن به على من كفر فيما بعد وأصبحوا ظاهرين عليهم قاهرين لهم كما قال تعالى ﴿إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اِتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ﴾ الآية فكل من كان اليه أقرب كان عاليا فمن دونه ولما كان قول المسلمين فيه هو الحق الّذي لا شك فيه من أنه عبد الله ورسوله كانوا ظاهرين على النصارى الذين غلوا فيه واطروه وأنزلوه فوق ما أنزله الله به ولما كان النصارى أقرب في الجملة مما ذهب اليه اليهود عليهم لعائن الله كان النصارى قاهرين لليهود في أزمان الفترة الى زمن الإسلام وأهله.

<<  <  ج: ص:  >  >>