للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دنوت منه فحركته فقلت هل تجد شيئا. قال: لا إلا توهينا في جسدي - وقد كنت ارتعبت مما رأيت - فقال ما لي أراك مرتاعة. قالت فأخبرته الخبر فقال خير أريد بى ثم صرف عنى ثم انشأ يقول:

باتت همومي تسرى طوارقها … أكف عيني والدمع سابقها

مما أتانى من اليقين ولم … أوت براة يقص ناطقها (١)

أم من تلظى عليه واقدة النار … محيط بهم سرادقها

أم أسكن الجنة التي وعد … الأبرار مصفوفة نمارقها

لا يستوي المنزلان ثم ولا … الأعمال لا تستوي طرائقها

هما فريقان فرقة تدخل الجنة … حفت بهم حدائقها

وفرقة منهم قد ادخلت النار … فساءتهم مرافقها

تعاهدت هذه القلوب إذا … همت بخير عاقت عوائقها

وصدها للشقاء عن طلب … الجنة دنيا الله ماحقها

عبد دعا نفسه فعاتبها … يعلم ان البصير رامقها

ما رغّب النفس في الحياة وان … تحيا قليلا فالموت لاحقها

يوشك من فر من منيته … يوما على غرة يوافقها

ان لم تمت غبطة تمت هرما … للموت كأس والمرء ذائقها

قال ثم انصرف الى رحله فلم يلبث الا يسيرا حتى طعن في حيارته (١) فأتاني الخبر فانصرفت اليه فوجدته منعوشا قد سجى عليه فدنوت منه فشهق شهقة وشق بصره ونظر نحو السقف ورفع صوته. وقال: لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما، لا ذو مال فيفدينى ولا ذو أهل فتحمينى. ثم أغمي عليه إذ شهق شهقة فقلت قد هلك الرجل. فشق بصره نحو السقف فرفع صوته. فقال: لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما، لا ذو براءة فأعتذر، ولا ذو عشيرة فأنتصر. ثم أغمى عليه إذ شهق شهقة وشق بصره ونظر نحو السقف. فقال:

لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما، بالنعم محفود وبالذنب محصود، ثم أغمى عليه إذ شهق شهقة. فقال: لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما

إن تغفر اللهمّ تغفر جما … وأي عبد لك لا ألمّا

ثم أغمى عليه إذ شهق شهقة فقال:

كل عيش وان تطاول دهرا … صائر مرة (٢) الى أن يزولا

ليتني كنت قبل ما قد بدا لي … في قلال الجبال أرعى الوعولا


(١) كذا في النسختين ولم يظهر لنا المعنى
(٢) في شعراء النصرانية: منتهى امره الى ان يزولا

<<  <  ج: ص:  >  >>